استمع إلى الملخص
- **مفاهيم الشخصانية والنزعة الإنسانية**: يوضح الكتاب أن شخصانية الحبابي تحتوي على عناصر تجعلها نزعة إنسانية مغايرة، ويناقش إشكاليات مثل مركزية الإنسان، العلاقة بين الإنسان والإله، وتأثير الدين.
- **أقسام وفصول الكتاب**: يتكون من ثمانية فصول موزعة على أربعة أقسام، تتناول النظريات، الأنثروبولوجيا الفلسفية، مرتكزات النزعة الإنسانية، ومضادات الأنسنة، مع التركيز على دور الفن والحب في إنقاذ الثقافة.
ضمن سلسلة "أطروحات الدكتوراه" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر كتاب "النزعة الإنسانية في شخصانية محمد عزيز الحبابي" لأستاذ الفلسفة والباحث إبراهيم مجيديلة، وهو كتاب تضيء فصوله الثمانية الموزّعة على أربعة أقسام على فكر الفيلسوف المغربي (1922 - 1993) عموماً، وفلسفته الشخصانية خصوصاً، مقدّماً إياه أوّل مرّة بوصفه أحد رموز النبوغ الفلسفي الإنساني في الفضاءين الإسلامي والعربي، ومجدِّداً استأنف القولَ الفلسفي ومسيرةَ من سبقوه فيه في المغرب.
يهدف الكتاب إلى الاعتراف بالفيلسوف الحبابي بوصفه صاحبَ مشروعٍ فكري وتأليف جعل الفلسفة تقليداً مؤسسيّاً وأكاديميّاً قائماً بذاته في الجامعة المغربية، وفي اليقظة الفلسفية المغربية خاصة، والعربية المعاصرة عامة. وقد أَشبهت العودةُ إلى مشروع الحبابي في هذا السِّفر حواراً متعدد الأبعاد والمقاصد حول ما فكّر وأعمل نظره وشغل عقله ووجدانه به، وكان المقصد الأهمّ في هذا إعادة قراءة نصوصه الفلسفية منظوراً إليها من زاوية إشكاليّة الأنسنة أو النزعة الإنسانية.
يصدر هذا المقصد عن دعوى تفيد أنَّ شخصانية Personalism الحبابي الواقعية والإسلامية والمستقبلية تستدمج داخلها عناصر تجعلها نزعة إنسانية أو قادرة على إعادة بناء هذه النزعة وفق رؤية مغايرة، وأنها بمنزلة الإطار النظري الذي تُحَلّ في إطاره إشكاليات كبرى، كإشكالية مركزية الإنسان في التفكير المنسوب إلى النزعة الإنسانية أو الذي ينتقدها، والتي تولّد أسئلة في مجالات متعدّدة، كالميتافيزيقا (العلاقة بين الإنسان والإله) والأنطولوجيا (ما الكائن؟ وكيف يجري الانتقال من الكائن إلى الشخص، ومن الشخص إلى الإنسان؟) والإبستيمولوجيا (هل يمكن أن يهمش الإلهَ اعتبارُ الإنسان مركزًا للمعرفة ومرجعًا للأخلاق؟) والأكسيولوجيا (أنسنة القيم التي تحكم الفكر والسلوك والعمل) والاقتصاد والسياسة والثقافة.
ويطرح الكتاب تساؤلات مثل: هل السؤال عن مركزية الإنسان يستتبع التفكير في حضور الدين في شخصانية الحبابي وتأثيره في تصوّره للنزعة الإنسانيّة؟ الجواب أنَّ البعد الديني لفلسفة الحبابي لا يُنكَر، فهو ما فتئ يعود إلى الأفكار الدينية ليفلسفها ويجعل منها منظاراً للحكم، ما يفتح الباب ربّما أمام أسئلة أخرى، هي: هل تندرج فلسفة الحبابي ضمن الفلسفة الدينية؟ وهل شخصانية الحبابي الإسلامية فلسفة أم علم كلام؟ وما المرتكزات التي استمدّها الحبابي من الدين في بناء رؤيته للإنسان؟ وكيف أثّرت تلك المرتكزات في نزعته الإنسانية؟
يهدف الكتاب إلى الاعتراف بالفيلسوف المغربي بوصفه صاحبَ مشروعٍ فكري وتأليف
ويشير إلى أنَّ شخصانية الحبابي تبدو فلسفةً في قيم البشر وأنسنتها في كثير من القضايا، خصوصاً المرتبطة بسيادة التقنية واقتصاد السوق التي أدخلت الإنسانية في بؤرة أزمات مسّت القيم الروحية والأخلاقية، فمارس نقدًا قِيَميًّا اعتبره بعضهم نقدًا للحداثة، وبشّر بقيم النزعة الإنسانية لمواجهة تلك الأزمات، طارحاً - انطلاقاً من أسئلة الأنطولوجيا الثلاثة السالفة الذكر - سؤالاً فلسفيّاً أنثروبولوجيّاً هو "من يكون الإنسان؟"، حيث يضع الحبابي في كتاباته أمام عمليتين مركزيتين، هما: التشخّصن والتأنسن. وتتعلّق النزعة الإنسانية عند الحبابي بأنسنة العالم والعلاقات الإنسانية وفضاءات الفعل الإنساني في عالم يسوده الخوف بسبب الحروب والنزاعات والعنف والإرهاب.
ولبناء المفاهيم التي شيّد عليها الحبابي نزعته الإنسانية، يسلك الكتاب أولاً مساراً يربط المفاهيم بأصولها اللغوية والفلسفية والتاريخية، ثم مساراً يحدد دلالتها ووظيفتها وعلاقاتها البينية ضمن نسق الحبابي الفلسفي الشخصاني، ما يعني أنه يؤوّل المفاهيم ضمن سياق فلسفي يحلّل الإشكالية العامة للبحث، ويتيح التدخّل الفاعل في النصوص وإعادة بنائها وفق مؤهلاتها للأنسنة. وهو لا يبغي إعادة كتابة تاريخ الشخصانية، بل قراءة شخصانية الحبابي تأويليّاً، واستجلاء الإنسية الجديدة في فلسفتها، من دون إغفال الوقوف عند تقاطعاتها مع باقي الفلسفات المعاصرة، بغية تحقيق أحسن فهم لها.
يشتمل الكتاب على ثمانية فصول تتوزع على أربعة أقسام، إذ يأتي القسم الأول "النزعة الإنسانية والشخصانية"، بصفته إطاراً نظرياً عاماً للقضايا المعرفية الكبرى والإشكالات الأساسية التي ستقود التفكير التأويلي في باقي الأقسام.
يعيد الكتاب قراءة نصوص الحبابي الفلسفية منظوراً إليها من زاوية إشكاليةِ الأنسنة أو النزعة الإنسانية
في الفصل الأول ورد تعريف الشخصانية بما يميّزها من باقي الفلسفات، ولا يأتي رصد نشأتها وعوامل تطوّرها من أجل التأريخ المفصل لأعمال فلاسفتها، بل لتبيان مساهمة الحبابي فيها؛ فهو لم يكن مجرد مقلّد أعمى أو متبع بلا رؤية، بل كان مبدعاً ومجدِّداً ومساهماً في إثراء الفلسفة الشخصانية من جهة، وفي اليقظة الفلسفية العربية من جهة أخرى.
في حين خُصّص الفصل الثاني للنظر في نشأة الفلسفة الشخصانية وماهيتها ومصادرها وأصولها ورهاناتها المعرفية والأخلاقية والعملية التي تميّزها من الفلسفات الأخرى. وكان لنقد المذاهب الشخصانية المتنوعة في الفصل دور في تقريب عناصر الأصالة وتبيان المرجعيات الفلسفية والدينية والغدية في شخصانية الحبابي إلى القرّاء.
يستكمل القسم الثاني "الأنثروبولوجيا الفلسفية الشخصانية: من ظهور الكائن إلى تأنسن الشخص" النظر في النزعة الإنسانية ويلزمها بالجواب عن سؤال: ما الإنسان؟ واعتبر القسم أن ما يربط الأنطولوجيا والأنثروبولوجيا هو التأويل الذي يساهم أيضاً في تأسيس أنثروبولوجيا شخصانية.
يكشف الفصل الثالث منطلقات أنثروبولوجيةِ الحبابي الشخصانية من مصدرين: الفلسفة الأخلاقية، ومنظومة القيم الإسلامية المستنبطة من مرجعَي الكتاب والسنة، اللذين استطاع في ضوئهما حلّ كثير من إشكالات الروح والجسد، وعلاقة الأنا بالآخرين. ويقرّر الفصل أنَّ التوصل إلى جواب السؤال الأساسي "ما الإنسان؟" يستدعي الجواب عن سؤال سابق عليه هو "ما الكائن؟".
ثم يتتبع الفصل الرابع دلالات مفهوم الشخص وتحوّلاته عند الحبابي بين لحظة الشخصانية الواقعية ولحظة الشخصانية الإسلامية، فيقاربه في اللحظة الأولى من خلال عملية التشخصن، وفي اللحظة الثانية من خلال مبدأ الشهادة.
أما القسم الثالث بعنوان "النزعة الإنسانية الجديدة: جدلية المرتكزات والمركزية" فخُصِّص للبحث عن مرتكزات نزعة الحبابي الإنسانية، تمييزاً لها من غيرها من النزعات الإنسانية العلمانية والملحدة، وهي مرتكزات ترجع إلى الفلسفة والدين.
ويتحدث الفصل الخامس عن الإيمان والعقلانية والتحرر بوصفها ركائز نظرة الحبابي إلى الإنسان وموقعه في العالم وعلاقته بالله، وهي نظرة خُصّص لها الفصل التالي بوصفها القضية المركزية في النزعة الإنسانية، بينما يقارب الفصل السادس مركزية الإنسان بمقارنةٍ بين نزعتَين: نزعة لوك فيري الإنسانية العلمانية، ونزعة الحبابي الإنسانية الإيمانية.
والقسم الرابع بعنوان "النزعة الإنسانية: مضاداتها وفعالياتها"، فيشخّص مضادات الأنسنة ويفحصها في فضاءات حيوية تمسّ الإنسان في وجوده وتتحقق فيها عملية الأنسنة أو تفشل، كالاقتصاد والسياسة والثقافة، متوقفًا عند بعض الأفعال المساهمة في أنسنة الكائن البشري بشروط.
وخُصص الفصل السابع لمقاربة عملية الأنسنة في مجالَي الاقتصاد والسياسة الأكثر تأثيراً في الكائن الإنساني، وكذا لتحليل إشكالات الملكية والعمل والدولة والديمقراطية والتقنية، انطلاقاً من قناعة عامة مفادها أن أنسنة الكائن البشري لا يمكن أن تكون من دون أنسنة الاقتصاد والسياسة.
أما الفصل الثامن، وهو الأخير، فقد أُفرد للحديث عن وجوب أنسنة الثقافة والحضارة بحمايتهما من جميع المضادات، لأن الإنسان كائن ثقافيّ حضاريّ منتِج للثقافة والحضارة، ونتاج لهما في الوقت نفسه. ويتناول الفصل بالتحليل والنقد كلًّا من العنصرية والاستعمار والاستغلال، منفتحًا على فاعليتين يراهما مؤنسِنتين هما: الفن والحب، وتُنقَذ بموجبهما الثقافة والحضارة من جميع العناصر التي تحول دون أنسنة الكائن البشري وواقعه.