بين سعيد المثقف والعلي الفنان

29 اغسطس 2015
+ الخط -

ثمة هالة تحيط بأربعة أسماء أساسية في الثقافة الفلسطينية: غسان كنفاني وناجي العلي وإدوارد سعيد ومحمود درويش، رغم أن الثقافة المعاصرة أنجبت أسماء أخرى لا تقل عن هؤلاء في حقول شتى. لكل واحد من الأربعة، العلمانيين، دور جوهري في الذاكرة الفلسطينية، منهم من له حضور نخبوي، ومنهم من حضوره شعبي، ومنهم من جمع الاثنين.

لكن الذاكرة الثقافية والشعبية الفلسطينية تخص العلي وكنفاني بشجن خاص ومكانة الشاهد/ الشهيد. ولنقل إن ثمةّ جرح يخص العلي (1936 - 1987)، إذ مازال اغتياله مُحاطاً بروايات كثيرة، هو الذي انتقد الأنظمة العربية وتهكّم في رسوماته على السياسي الفلسطيني والعربي بدرجة لا تقل عن تصديه للكيان الاستعماري "إسرائيل".

ليس لدى الفلسطيني رواية دينية يحاجج بها عن حقه في "البلاد"، لديه ناجي العلي وغسان كنفاني وإدوارد سعيد ومحمود درويش. لقد كتب هؤلاء ورسموا "لاهوتاً" مدنياً، وجعلوا من الثقافة نداً للرواية الدينية، مقدّمين للعالم رواية وشهادة وذاكرة فلسطين عبر الأدب والفن وهما أقرب إلى الإنسانية من الدين؛ وكل ما يقترب من الإنسانية ذراعاً يقترب من الحقيقة باعاً.

قبل عامين، نشر الأكاديمي الفلسطيني نور مصالحة، المتخصّص في الدين والسياسة، ورقة في مجلة "دراسات الأرض المقدسة" التي تصدر في بريطانيا (تغير اسمها لاحقاً إلى مجلة "دراسات الأرض المقدسة وفلسطين"). كانت الورقة بعنوان "ناجي العلي، إدوارد سعيد ولاهوت التحرير المدني في فلسطين"، واستخدم تعبير "ثيولوجيا/لاهوت التحرير المدني"، الذي قارب من خلاله بين سعيد والعلي بوصفهما حاملي مهمة تجاوز التاريخ والتصميم الفلسطيني على مغالبة القدر والتغلب عليه والمشي نحو المستقبل. التطلع إلى الأخير ليس بالمهمة العادية التي ألفها ملايين البشر، حين تكون "خارج المكان"، حين تكون بلا وطن.

يعتبر الباحث أن ما قدّمه الاثنان جعل فلسطين أكثر من محنة جغرافية سياسية، لقد أصبحت "القضية" بارومتر على إنسانية العقل. لم يعد مهماً الآن أين تقع فلسطين، يمكن القول إنها في أوروبا وأميركا الجنوبية وآسيا وأستراليا وأفريقيا، هذا هو ما فعله المثقف والفنان الفلسطيني.

يقول مصالحة: "من المستغرب أنه وبينما ازدهرت ثيولوجيا التحرير النسوية والسوداء وما بعد الكولونيالية في الغرب، هناك القليل من التناول للمنظور الشعبي والتفكيكي للاستعمار أو للتأملات العلمانية والإنسانية والمدنية حول ثيولوجيا التحرير". ويضيف كيف أن عمليّ سعيد المثقف والعلي الفنان ألهماه أن يجلب إلى الضوء موضوعاً مهملاً، يتعلق بثيولوجيا التحرير في فلسطين، بوصفه أيضاً منهجية إنسانية لتفكيك الاستعمار.

المساهمون