هيلينا فالدمان: مسرح أوروبي "صُنع في بنغلادش"

07 يونيو 2015
من العرض (تصوير: دوروثي فيليب)
+ الخط -

تقوم الشركات الكبيرة في أوروبا والشمال الأميركي بتحويل استفسارات زبائنها إلى عاملين على بدّالات الهاتف في الهند لتدني الأجور هناك؛ وهكذا يجد زبون مقيم في أوروبا نفسه يتحدث إلى عامل قابع في الهند. استخدام العمالة الآسيوية ليس حكراً على الإجابة عن أسئلة الزبائن والخدمات التقنية، بل يمتدّ الجشع الأوروبي ليقيم مصانع تنتج الثياب والأحذية في بلدان آسيوية فقيرة، وهكذا يشتري الزبون الأوروبي ثياباً وأحذية من علامات أوروبية شهيرة لكنها صُنعت في آسيا.

هناك الكثير من الأعمال المسرحية والأدبية والسينمائية التي تصدّت لتسلّط المجتمعات الأوروبية على العمالة الآسيوية واستغلالها، ولكن المخرجة المسرحية الألمانية هيلينا فالدمان تطرح سؤالاً أكثر راديكالية، لتستفسر إن كان المسرح كصناعة بريئاً من استغلال اليد الآسيوية العاملة. فمن الوارد جداً أن يستقدم مخرج أوروبي راقصين آسيويين وبأجور لا تزيد عن تلك التي تصرفها شركات الملابس والأحذية.

قدّمت فالدمان عرضها المسرحي الراقص "صُنع في بنغلادش"، أخيراً، ضمن فعاليات "مهرجان الرقص المعاصر" في ميونخ، وينتقل العرض الآن بين أوروبا وآسيا ليقدّم أسئلته المحرجة عن العمالة والفوقية.

ليس هذ العرض هو الأول من نوعه لفالدمان، فقد قامت مصممة الرقص الألمانية بإخراج عروض عن اليابان وأفغانستان وإيران، كما اشتغلت على كليشيهات الفوراق الثقافية بين أوروبا وآسيا.

تخوض فالدمان في حقل من سوء الفهم وانعدام الثقة. فمن جهة، تحاول التخلّص من النزعة الإيكزوتيكية للأعمال الأوروبية التي تستعين بأشكال التعبير الآسيوية. ومن جهة أخرى، هناك سؤال الهدف من العمل، وإن كان العرض يميل إلى إثارة الشفقة على العمالة الآسيوية أم ينقل احتجاجاً على شكل الاستعمار الجديد.

يصطف اثنا عشر راقصاً وراقصة من بنغلادش على المسرح، مؤدّين حركات متطابقة بحيث لا يتميّز أحدهم عن المجموعة إلاّ في ما ندر. طرح فالدمان هذا مألوف رغم قسوته، فالأعمال المسرحية الأوروبية دأبت على انتقاد أشكال استخدام اليد العاملة الآسيوية هذه، ولكن الجديد في هذا العرض هو محاكمة المسرح ذاته على ممارستها. فبالنسبة للراقص الآسيوي، يوجد إغواء العمل مع مخرجة ألمانية والتجوّل على خشبات المسارح العالمية، وهو أمر يكرّس التفوّق والاستعلاء الأوروبي.

تستخدم فالدمان خطوات وحركات الـ"كاثاك"، وهي إحدى الرقصات الهندية، لتتحدث عن ظروف العمل السيئة التي تواجه العاملين البنغال. تتخلل العرض مقاطع سينمائية تعرض عمليات النسيج بحيث تنسجم إيقاعتها مع حركة الراقصين، وتقدّم أيضاً شهادات مكتوبة للعمال عن ظروف العمل في مصانع ثياب أجنبية لشركات كبرى مقامة في بلادهم لخدمة السوق الأوروبي. تتطرق هذه الشهادات لعدّة أمور، من الأجور البخسة إلى ساعات العمل الطويلة وتفاصيلها القاسية وحتى غياب حقوق العمّال.

تنتقل "صنع في بنغلادش" إلى مستوى آخر من الاستغلال الأوروبي، فيتحوّل العمّال إلى راقصين، بينما يصبح رب العمل البنغالي في معمل الثياب الشخص المعني بعملية انتقاء الراقصين لعرض أوروبي. يتمايز حضور الراقصين في مشاهد الاختبار والانتقاء، ويسمح لكل راقص وراقصة أن يستعرض مهاراته الفردية ليكون جديراً بعرض ألماني يجول العالم.

لا تتوانى المخرجة عن انتقاد آليات العمل في المسرح على هذا النحو، والتي لا تختلف عن الكيفية التي تتعامل بها شركات الأحذية مع العمالة الآسيوية. ولعل السؤال الأقسى الذي تطرحه فالدمان يدور حول قدرة المسرح، وقد تحوّل بدوره إلى صناعة ودورة اقتصادية، على مواجهة المسألة الأخلاقية المتعلقة بآليات العمل وظروفه، وإذا ما كان يستطيع أن ينتقد هذه الآليات وهو يعمل بطريقتها وضمن الشروط ذاتها.

دلالات
المساهمون