لارا عليّان: هذه هويتي

03 يناير 2015
+ الخط -

تجربة أخرى من جيلٍ موسيقي جديد، يقاتلُ جاهداً ـ رغم الصعوبات وقلة الإمكانات المتاحة ـ كي يجد له مكاناً في ساحة موسيقية عربية؛ تفتك بها آلة السوق التجاري ونجومية الفضائيات. هي لارا عليان (1983) الفنانة الفلسطينية التي عرفناها من خلال غنائها مع فرقة "شرق" (تأسّست عام 2006 في عمّان)، مع طارق الجندي ومهند عطاالله ومعن السيد، لينتجوا ألبوم "بين بين" (2009). ولكن ها هي اليوم تخوض مغامرة جديدة بإطلاق ألبومها الأول "حلوة".

درست عليان علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، وسرعان ما لفتت الانتباه بصوتها وتميزها في أداء أغاني بلاد الشام التراثية. التحقت بكورال الجامعة، وانتسبت بعدها إلى "الأكاديمية الأردنية للموسيقى"، وهناك تعرفت إلى الموسيقي عمر عبّاد، الذي ضمّها إلى فرقته "النغم الأصيل".

في ألبومها الأول، تخوض عليان تجربة جريئة بتركيزها على الموسيقى العربية الكلاسيكية. عند الاستماع إلى العمل سيخيل لنا أننا نستمع إلى أغانٍ وقوالب موسيقية ينتمي معظمها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، معتمدة بشكل أساسي على موسيقى التخت الشرقي، متجاهلة الدمج والتنويع وكل الثورات الموسيقية التي حدثت في العقدين الأخيرين، ذاهبةً إلى منطقة مختلفة في سياق تقديم الموروث الكلاسيكي في الموسيقى العربية، على سبيل المثال الاتجاه الذي يخوضه بعض الفنانين كاللبنانية ريما خشيش والسورية لينا شماميان.

ورغم أن تلك الأسماء تعد من التجارب الناجحة في تقديم الموروث بلغة موسيقية عصرية. لكنّ توجّه عليان ذهب عكس هذا التيار، مُلتزمةً بالشكل الموسيقي العربي التقليدي. تُعلق عليّان حول هذه المسألة موضّحة بأنها ليست ضد الموجات الموسيقية الحديثة، وإنما أرادت لألبومها الأول، على حدّ تعبيرها، أن يكون بمثابة هوية وبصمة خاصة؛ يعكس أفكارها وتكوينها الموسيقي، ويُعبّر عن اعتزازها بالموسيقى العربية الكلاسيكية التي تنتمي إليها.

في "حلوة"، نستمع إلى عشر أغانٍ؛ تعاونت فيها الفنانة مع العديد من الشعراء والملحنين، من فلسطين والأردن ولبنان وسورية ومصر. في مستهل الألبوم، نقع على أغنية "حلوة"؛ من شعر طلال حيدر، وألحان باسل زايد. أغنية قد تجعلنا ننحاز لها عند الاستماع إلى بقية الأسطوانة، فلعلّها ذروة الألبوم من ناحية الكلمات والألحان، وحتى أداء وصوت عليان نفسها.

في "موّال"، شعر محمود درويش وألحان عبّاد، تبدأ الأغنية بمقدمة وتريّة موفقة، يليها صوت عليان، ويدخل عليها، بشكلٍ يبدو مفاجئاً، لحن "يمّا مويل الهوا" التراثي، ثم تعود إلى لحنها الأساسي، لكنّنا نُفاجأ مرة أخرى بدخول لحن شبيه بلحن الأذان. هذا "الكولاج الموسيقي"، إن صح التعبير، لم يكن نافراً، لكنّه سبب تشويشاً في بنية الأغنية ولم يكن لصالحها.

في "بكتب رسالة"، كلمات إبراهيم نصر الله وألحان طارق الجندي، تلعب آلة العود دوراً رئيسياً مع صوت عليان، في لحن تمتّع بسلاسته، مُرافقاً إيّاه إيقاع بطيء. ثمّ نكون مع "فيها إيه"، كلمات محمد خير وألحان يعرب سميرات. ولم تكن عليان لتبتعد عن الموروث الموسيقي لفن الموشح العربي، فقدّمت موشح "غزال تركي" بتوزيع تقليدي وضعه كل من الجندي ومعن السيد، الأخير لحّن مقدّمة الموشّح الذي كانت قد غنّته عليّان سابقاً.

وحين نستمع إليه، نجد أنّ عليّان تستعرض قدراتها الصوتية اللافتة، بأداء متميّز. ثمّ نكون مع "يا عاشقين اتجمعوا" كلمات مايكل عادل وألحان السيد. وفي "باقون"، كلمات دريد مصلح وألحان عبّاد أيضاً، تأخذنا الأغنية إلى أجواء تقترب من النشيد والكلمات المباشرة مع لحن سريع غلبت عليه الأجواء الحماسية.

وفي "شام"، كلمات صلاح أبو لاوي وكذلك من ألحان عبّاد، نظل في الأجواء نفسها التي استمعنا إليها في "باقون". وتستعيد عليان أغنية "دار الفلك"، للشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، مؤديّةً إيّاها بأسلوب يتمتّع بخصوصية صوتها، لكن باللحن الأصلي عموماً، مع إدخال آلة القانون وإيقاع فيه بعض الاختلاف عن الإيقاع الأصلي للأغنية. وفي خاتمة الألبوم، نستمع إلى "دوماً أغني"، كلمات رامي ياسين وألحان زياد الأحمدية، التي اتّسم لحنها بأُلفته وجمله الموسيقية المتوقعة.

لعلّ الأبرز في عمل عليّان الجديد، أنه إذا استبعدنا أغنية "دار الفلك" وموشّح "غزال تركي"، سنتجوّل في ألبوم لارا عليّان الجديد بين ثماني أغانٍ أخرى خاصّة بها، لم تتناولها من التراث. البحث عن الصوت الشخصي هو يميّز "حلوة"، على عكس كثير من الفنانين "الملتزمين"، الذين تحوّلت علاقتهم بالتراث إلى استعادة مملة ولم يستطيعوا الانتقال منه إلى منطقة تخصّهم، ناهيك عن الذين أخذتهم محاولاتهم في التجديد إلى "مزج" موسيقي قلّما وصل إلى معادلة النجاح.

ورغم التفاوت الفني الواضح من ناحية الكلمات أو الألحان في "حلوة"، إلا أنّ صوت عليان الذي يتمتع بجماليات وقدرات جلية، وخصوصاً في الطبقات المنخفضة، وإحساسها المنطلق من عمق الشعور بالكلمة، كانت المكونات التي منحت العمل عناصر قوة. ومن ناحية أخرى، لم يكن إنتاج الألبوم بالأمر السهل، فقد واجهت عليّان صعوبات كثيرة قبل أن تتمكن من إصداره على هذه الصورة، فهي تعمل عليه منذ أربع سنوات، إلى أن صدر أخيراً بعد أن استكملت الحصول على تمويل له.

المساهمون