ميكي ماوس: 1928 - 2015

18 يناير 2015
سيلتحق ميكي بوالت ديزني الذي سبقه إلى الموت
+ الخط -

بعد وفاتين ونجاة واحدة من محاولة اغتيال، سيموت ميكي ماوس مجدّداً. ستكون هذه وفاته رقم ثلاثة، لكنها الأولى على الإطلاق التي تصدر عن شركة ديزني، وهي بذلك تعتبر ورقة نعي رسمية جداً للفأر الذي قضم طفولتنا كالجبن الطري.

وفاة ميكي الأولى جاءت عام 1968، وفي فيلم من دقيقة واحدة تقريباً. تلك الوفاة كانت موتاً سياسياً، دلالياً واحتجاجياً، حزيناً وصادماً. كانت موتاً لأميركا، لسياستها غير المسؤولة وقراراتها بدخول الحرب. لكن ديزني لم تتولَّ إنتاجه، ولم تلعب أيَّ دور فيه. الشركة التي دللتها هوليوود، وأثارت بعض شخصياتها غضب مجموعات نسوية ونشطاء، لم تكن لتجرؤ على قتل ميكي في تلك الظروف بالتحديد. ذلك أن موت الفأر ذي القفازين الأبيضين كان سيعني ربما موت الشركة بأكملها وإفلاسها.

لكن الفيلم الصامت والعادي في إمكاناته، لفت الانتباه. وأفلح في إيصال الرسالة. كان عنوانه "ميكي ماوس في فيتنام". بالأبيض والأسود. وقد استند رسامه على تصوير ميكي ماوس الأصلي والبسيط. وفيه نرى ميكي يقف أمام لوحة تقول "انضم إلى الجيش وشاهد العالم". وهذا ما يفعله.

في المشهد التالي، ميكي يستقل باخرة كتب عليها "إلى فيتنام". لكنه ما إن يطأ الأرض الفيتنامية، حتى يتلقى رصاصة في جبينه. لن يرى ميكي شيئاً من العالم، ولن يقتل أحداً. موته السريع يفاجئ. الرصاصة تُطَيِّر خوذته المعدنية، فيسقط على الأرض بجسمه النحيل كعود كبريت. في المشهد التالي والأخير، نراه مبتسماً وسط العشب. إنه ميت، لكن ابتسامته البريئة هي كل ما يتبقى من شخصيته، إلا أنها تنعكس إلى تعبير بالحزن، ما إن يسيل الدم الأسود على وجهه.

لم تكن هذه مشاركة ميكي الأولى في حرب خارج الولايات المتحدة. فهو يظهر عام 1936 في فيلم بروباغاندا بعنوان "ميكي الشرير يهاجم اليابان". أنتج ذلك الفيلم، كنبوءة يابانية بحدوث حرب عالمية ثانية ودخول أميركا فيها، ومهاجمتها الجزيرة الآسيوية الجميلة.

نرى في المشاهد الأولى أطفالاً وحيوانات يلعبون بسلام على الجزيرة الهادئة قبل أن ينقض ميكي عليهم من السماء ممتطياً مجنحاً له رأس فأر أيضاً. ميكي في النسخة اليابانية يخطف طفلة، لكن الطفلة ينقذها الفارس الياباني الشهم. ميكي يتبهدل في الفيلم، وبعد معركة ضارية على سطح غيمة، يحوِّله الفارس إلى فأر عجوز وبائس، شائب الشعر وله لحية، وتملأ وجهه التجاعيد. إنه يتكئ على عصا ويخرج عن الشاشة، فيما تزهر كل الأشجار فرحاً. لكن ميكي لا يقضي نحبه بصراحة في النسخة اليابانية، حتى وإن أشار تقدّمه في السن بفعل تعويذة الفارس، إلى موته الوشيك.

وفاة ميكي ماوس الثانية و"الفعلية"، لم تخرج عن رمزيتها السياسة أيضاً. جاءت هذه المرة في نسخة عربية قبل سبعة أعوام تقريباً. وكان مسرحها غزة. بذلك، فإنه ليس موتاً عادياً بل "استشهاد". والت ديزني، لم يكن ليتوقع، وفي أسوأ أحلامه، أن تودي السياسة الإسرائيلية المدعومة من بلاده، بفأره الطيّب. حتى شخصيات الكارتونز المحصَّنة بشهرتها العالمية لن تُستثنى من ماكينة التشوه الذي أصاب الطفولة الفلسطينية بسبب حروب إسرائيل العدوانية المتلاحقة. ميكي هنا هو "فرفور". وفي المشهد الأخير، نراه في مكتب تحقيق، يتعرض للضرب على يد أحد أفراد الشرطة الإسرائيلية ويقضي نحبه لأنه رفض التنازل عن أرضه.

بعد فترة قصيرة من استشهاده على تلفزيون فلسطيني، عاد ميكي ماوس لينجو من محاولة اغتيال. كان ذلك بعدما أصدر أحدهم فتوى بقتله. إنها ربما أول فتوى تصدر بقتل شخصية تتحرك وتعيش بالخط واللون، لا الدم والأوكسجين. لم يكن أحد ليعرف كيف سيقتل صاحب الفتوى ميكي وماذا سينزف هذا الأخير. لكن الفتوى أربكت الرأي العام وأثارت السخرية والغضب، ما دفع صاحبها نفسه لإصدار توضيح بأنه لم يتلفظ بهكذا "فتوى" على الإطلاق. لينفذ ميكي ماوس بجلده من تحريض "علني" على القتل تداوله العالم مسبقاً، مدرَّعاً هذه المرة أيضاً بشهرته.

وقبل أسابيع، أشيع على بعض مواقع الإنترنت أن شركة والت ديزني، وفي فيلم عنوانه "حياة ميكي ماوس وأوقاته الساحران"، يُبثُّ في الكريسماس القادم، ستعلن موته. إنه هذه المرة موت حاسم وقاس. ليس مجازياً ولا سياسياً. ما يعني أننا سنضطر من الآن فصاعداً إلى كتابة اسم ميكي ملحقاً بتاريخ ولادته ووفاته على الشكل الآتي: ميكي ماوس (1928 - 2015).

 والفأر الذي لم يغيّر ثيابه، قفازيه أو شورته أو خُفَّيه قط، أو تظهر على جسمه علامة واحدة على تقدُّمه في السن (عدا ما أصابه في النسخة اليابانية)، سيلتحق بشخصية مصممه والت الذي سبقه إلى الموت عام 1966.

الخبر أعلنه أولاً موقع "إمباير نيوز". وأثار الصدمة وشكوك الصحافيين. قيل لاحقاً إنه مجرد إشاعة. لكنه جاء على لسان مايكل ماكديرموت الناطق الرسمي باسم والت ديزني. مهما يكن، فإن خبراً كهذا أعاد إنعاش قلب ميكي البطيء بهيئته الكلاسيكية والعائش وسط حياة "عصرية". وإذا تحقق، فسيكون سَحْباً تكتيكياً لفأر بريء، قبلما تهرسه واحدة من الشخصيات الكرتونية الحديثة والصاخبة في سلوكها وصوتها وردات فعلها.

المساهمون