وقفة مع عزيزة الطائي

08 مارس 2023
عزيزة الطائي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة عن انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "قدّمت للقارئ العربي مساحة رحبة من دراسات حول الأدب العماني"، تقول الكاتبة العُمانية في حديثها إلى "العربي الجديد".


■ ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟

- مرّ أكثر من عام، وأنا أشعر بضغط الالتزامات على الصعيد الشخصي والمجتمعي والفكري، وكانت قبلها تلح عليّ فكرة إنسانية تدعوني للتخطيط لها لأشرع في كتابتها حتى تتبلور بين دفتي كتاب؛ ولكن حالت دونها التزامات بحثية، وقرائية، وأُخرى كان عليّ أن أنهيها. لذلك لعل هذا العام يكون أخفّ حملًا، وأقل ضغطاً. فالصفاء الذهني، والعزلة الصامتة يحتاجهما أي كاتب ليشرع في الكتابة، ويخرج عمله مهما كان نوعه: دراسة أو إبداعاً، كي يرى كلماته وأفكاره مصفوفة على الورق، أو متبلورة كما أراد في ملف خاص له طيَّ حاسوبه.


■ ما هو آخر عمل صدر لكِ وما هو عملكِ القادم؟

- آخر عمل صدر لي في "معرض مسقط للكتاب" العام الماضي، وهو مجموعة شعرية تُصنّف تحت لواء قصيدة النثر، عنوانه "نجمة الليل الأخيرة"، أما عن عملي القادم فهو الذي أجلته نظراً - كما ذكرت - لبعض الالتزامات الطارئة التي تداخلت مع الشروع في بداية كتابته؛ علماً أن هناك كتاباً قمتُ بجمع دراساته وتحريرها سيرى النور قريباً، وفيه مجموعة دراسات تتعلّق بأدب الطفل وثقافته، وهو عبارة عن ندوات وملتقيات قمت بتنظيمها أثناء وجودي كعضوة في مجلس إدارة "النادي الثقافي"؛ والكتاب أعدّه مرجعاً هاماً لكل مهتم بأدب الطفل؛ وبطيِّه دراساتٌ وشهادات لمجموعة من الباحثين والكتاب من دول عربية متفرقة، عنونته: "أدب الطفل من التراث إلى الحداثة"، وسيصدر عن "النادي الثقافي" في سلطنة عُمان.

مشروعي البحثي القادم يدور حول ثيمة ذات الأنثى

■ هل أنتِ راضية عن إنتاجك ولماذا؟

- سؤال يجعلني في حيرة من الإجابة عليه؛ خاصة إذا آمنت أن إصداراتي بمقام أبنائي. فأنا قدّمت للقارئ العربي مساحة رحبة من دراسات حول الأدب العماني، كما أنني كتبت في السرد وقصيدة النثر. وهذا المنجز الذي قدمت فيه سنوات عمري التي يقابلها قراءة البعض لها بمحبة وقبول من القراء والباحثين العرب؛ ولكن تبقى قضية الرضا عندي تعني الشعور بالكمال، وربما التشبّع حتى أتمكّن من الصقل والتطور والاستمرار. فلكل مرحلة من حياتنا مراس ورؤية وقناعة، لذلك لا أزال غير راضية عما أخرجته تماماً، فطموحي أبلغ من ذلك وأسمى. 


■ لو قيض لكِ البدء من جديد، أي مسار كنت ستختارين؟

- لم أفكّر في هذا السؤال. فأنا عاشقة مخلصة للغة العربية منذ بداية تعرّفي إلى الأشياء، لذلك اخترت دراستها فكان البحث والنقد حاضرين عندي من زاوية تخصّص في الأدب العربي، واستكمال دراستي العليا في النقد الحديث شعره ونثره (مرحلة الماجستير في الشعر، والدكتواره في السرد). ولأني قارئة نهمة منذ الصغر كثيراً ما بدأت علامات التلخيص والتحليل والتقييم لما نقرأ داخل المنزل بين أسرتي، ومع صديقات المدرسة كنا نتبادل الكتب لأجل القراءة. لذلك مع النضج تطلّب مني هذا مشقة كبيرة لأجل تنظيم الوقت بين المهنية البحثية، وفكرة تصارعني لأترجمها على الورق بنوع الجنس الأدبي الذي يناسبها؛ والجميل أن الكلام يأتي متدفقاً من تلقاء نفسه ويدخل إلى بابه الأدبي الذي ينتقيه، وقد أُخذَل أحياناً وأتوقّف لأعود إليه ذات يوم وأستمر في الكتابة، أو أغير مسار بلورة الفكرة.


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

- على الصعيد العام أنتظر المحبة والسلام والأمان بين شعوب العالم، وأتمنى أن تنعم الشعوب العربية بحياة خالية من البؤس، والحروب، والصراعات، والأطباع. أما على الصعيد الشخصي فقد تصالحت كثيراً مع نفسي، وتجاوزت أشيائي المعتمة التي آلمتني من الداخل والخارج، فسامحت كثيرين حتى أشعر بالحياة والمحبة والصفاء والراحة. وأصبح ما يهمني أن أرى غرسي الطيب في أبنائي يتحلقون حولي بعين مُحبّة صادقة ملهمة، وأجنحة ترفرف بالأمان والفكر والحرية. 

يكمن الرضا في قدرة الكاتب على تطوير ما عنده والاستمرار

■ شخصية من الماضي تودين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

- كم تمنيت أن ألتقي بشخصية عمر المختار الذي جمع في شخصيته حبّ الجِهاد والفكر، والحرية والسلام والمحبة والإيثار، من أجل إنسانية الإنسان أينما كان، وكم تمنيت أن ألتقي بجدّتي لأبي كي أنصت لحكاياتها وأحاديثها التي تشدني أكثر لجذوري الطيبة؛ خاصة أني ولدت وترعرعت خارج بلادي. 


■ صديق/ة يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟

- الصديق الصدوق نادر في هذا الزمن، وإنِ اصطفينا قلة منهم؛ لذلك أؤمن بصداقات الطفولة التي لازمتني في مراحلي الدراسية وبعدها. أحنّ لها وأعود لها دوماً فأجد نفسي منفتحة لها لأنها تجمعني بحيوات كثيرة لا أستطيع إسدال الستار عليها. أما الكتاب الذي أعود إليه دائما فهو القرآن الكريم؛ لأنه كتاب مرجعي بالأخبار والقصص والحكايات والشعر والأخلاق والعبر. أستقي منه دوماً التعابير والصور، الأمان والسلام، الفكر والثقافة، التجارب والعظات؛ لتستمر حياتي من خلال تغذية فكري وروحي ومؤانسة ذاتي وعالمي. 


■ ماذا تقرأين الآن؟

- في حصيلتي الآن مجموعة كتب لنقاد عرب وأعاجم، تركّز على ثيمة ذات الأنثى، لمشروع بحثي أطمح في إنجازه مستقبلاً. إلى جانب قراءتي لرواية "سارقة الكتب" لماركوس زوساك، بترجمة دالية مصري. 


■ ماذا تسمعين الآن وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟

- أحب صوت السيدة فيروز، فأغانيها تلازمني منذ الصغر، لطالما حلّقت بي حيث السكينة والتمرّد معاً. وأحبُّ سماع الموسيقى الكلاسيكية والهادئة أينما كانت خاصة من آلة العود، ونغمات الناي منفردة؛ وهناك تجارب كثيرة أخلصَتْ لهذين النوعين على مستوى الوطن العربي لا أستطيع حصرها، لربما سأظلم آخرين لو ذكرتُ إحداها. 


بطاقة

كاتبة وأكاديمية عُمانية، من مواليد عام 1968. حاصلة على الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث من "جامعة تونس الأولى". تشتغل مشرفة عامة للغة العربية ومحاضرة في "جامعة قابوس". من إصداراتها: "ثقافة الطفل بين الهوية والعولمة"، و"الخطاب السردي العماني: الأنواع والخصائص 1939 - 2010"، و"الذات في مرآة الكتابة"، و"السرد في قصيدة النثر العمانية: أشكاله ووظائفه"؛ لها في الرواية: "أرض الغياب" و"أصابع مريم"؛ وفي الشعر: "خذ بيدي فقد رحل الخريف" و"نجمة الليل الأخيرة".

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون