وقفة مع أيوب أبو دية

21 ابريل 2023
أيوب أبو دية (تصوير: عروة الحمدلله)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة عن انشغالاتها وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "لا حوافز للكاتب العربي لجعله يبذل جهداً أكبر ويصبح إنتاجه أكثر فائدة للمتلقّي"، يقول الباحث الأردني في حديثه إلى "العربي الجديد".



ما الذي يشغلكَ هذه الأيّام؟ 

- على الصعيد الهندسي، أقوم منذ فترة بإعداد دراسة عن الأبنية الخضراء في العالم العربي، تلبيةً لدعوة من "الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي"، وفيها تعريفٌ مفصّل بالأبنية الخضراء ورؤيتي لمستقبلها عربياً، بما في ذلك إعادة ترميم الأبنية القائمة لتحسين كفاءتها في الطاقة وتوفير الراحة الحرارية للقاطنين فيها، وجعلها أبنية مستدامة تُطلق الحد الأدنى المقبول من انبعاثات الغازات الدفيئة، ووضع استراتيجية طويلة الأمد للدول العربية لتحقيق هذه الطموحات في العقود المقبلة، استجابةً لاتفاق باريس الذي أقرّه "مؤتمر الأمم المتحدة للتغيُّر المناخي" عام 2015، بوضع التزامات على الدول لخفض انبعاثاتها بنسب مختلفة بحلول عام 2050.

أمّا على الصعيد الفكري، فإنني أدرّس مادة الفلسفة باللغة الإنكليزية في "الأكاديمية الملكية" بالأردن، وأعدّ كتاباً منهجياً لتدريس ملخّصات عن أعلام الفلاسفة والمفكرين في العالم، بدءاً من الفلسفات القديمة كالزرداشتية والطاوية والهندوسية، مروراً بفلاسفة اليونان والعرب المسلمين، فمفكّري عصر النهضة وعصر التنوير وما تبعهما من فلاسفة حتى يومنا هذا، وذلك تسهيلاً على الطلبة، وليكون أيضاً مرجعاً ثقافياً ينهل منه المواطن المثقف العادي.

أصدرت أغلب كتبي على حسابي أو ساهمتُ في نشرها

وأخيراً، على صعيد السياسة، أرقب حالياً وأشغل نفسي بالأحداث الجِسام الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وفي فلسطين المحتلّة، وتشكيل تحالفات عالمية، وأرقب الدمار الهائل والمنافسة الشديدة لقيادة العالم، وأحاول أن أحلّل ما يترتّب عن ذلك من نتائج تتمخّض عنها هذه الحرب.


ما آخر عمل صدر لك؟ وما عملك القادم؟ 

- صدرت لي في الفترة الماضية ثلاثة كتب: كتاب هندسي بعنوان "راهنية الأبنية الخضراء: دارة الكمالية نموذجاً" (2021)، ويبحث في بناءٍ واقعي للأبنية الخضراء واستخدامه نموذجاً تعليمياً للناس كي يحذو حذوه. وهو امتداد لكتاب آخر صدر لي باللغة الإنكليزية بعنوان "الأبنية الخضراء في الأردن" (بالاشتراك مع المهندسة المعمارية ميس الرازم) حول "دارة عقل البيئية" في أبو نصير بضواحي عّمان؛ الذي يُعَدّ أول بناء في الأردن يلتزم تطبيقات "المواصفات الأميركية للأبنية الخضراء" (V4-LEED).

لم يدخل الغرب الحداثة لولا الانعتاق من سلطة الدين السياسي

وصدر لي كتاب "موسوعة ملخصات أمّهات تراثنا" (2022)، ويشتمل على ملخصّات لأكثر من مائةٍ من كتب التراث العربي في مجال الإنسانيات خلال الفترة الممتدّة بين القرن الثاني الهجري وحتى سقوط غرناطة عام 1492، من خلال الوقوف على مضامينها الأساسية والسياقات التاريخية التي أنتجتها، وأثرها في العصور اللاحقة.

بالإضافة إلى كتاب "Hijab: a historical review" الذي نشرتُه العام الماضي في صيغة إلكترونية على منصّة "أكاديميا"، عن تاريخ الحجاب في الحضارات المختلفة، من السومريين حتى الإسلام، وهو تطويرٌ وتتمّة لكتابي "الحجاب في التاريخ" (2012) الذي يناقش الشروط الاجتماعية والسياسية والثقافية والتاريخية التي حكمت ارتداءه، والكشف عن جذور فكرة غطاء رأس المرأة ومنطوياتها الفكرية في الحضارات التاريخية. وأعملُ حالياً على كتاب "أعلام الفكر الفلسفي" باللغة الإنكليزية ليُترجم لاحقاً إلى العربية.

وأغلبُ مؤلّفاتي - التي تتجاوز الأربعين كتاباً - متوافرة على موقع "أكاديميا"، ويمكن تنزيلها مجاناً.


هل أنت راضٍ عن إنتاجك؟ ولماذا؟ 

- حالي حالُ الأكثرية: راضٍ إلى حدّ ما، لكن كنتُ أتمنى أن يكون سوق الكتاب في العالم العربي مُجزياً للكاتب أكثر، فالدعم محدود. لديّ حالياً أكثر من كتاب، منها مؤلَّف في البيئة بعنوان "كيف تعيش حياة بيئية سليمة؟" وآخر يشتمل على تلخيص حوالى ستّين كتاباً من التراث في العلوم الطبيعية والطب والصيدلة، ولغاية الآن لم أجد مَن ينشرهما. كذلك لا توجد حوافز للكاتب لجعله يبذل جهداً أكبر، ويصبح إنتاجه أكثر دقّة وفائدة للمتلقّي، فأغلب كتبي أصدرتها على حسابي الخاص، أو ساهمتُ في نشرها مع دور نشر، وبالتالي هي مكلفةٌ جدّاً. وللأسف، إن الكاتب غير المقتدر في العالم العربي لا يستطيع أن يظهر إلّا لماماً.


لو قُيّض لك البدء من جديد، فأيُّ سبيلٍ كنت ستختار؟ 

- أعتبر أنني أنتمي إلى المدرسة الواقعية، لذلك أعتقد أن الأسئلة الافتراضية الخيالية خارجة عن نطاق الإجابة الواقعية... ولكن أقول إن هناك إشكالية في ما يتعلّق بالاختيار، وهي إشكالية تاريخية، وصراع بين حريّة الإرادة والقدرية: هل فعلاً يمكننا أن نختار؟ كثيراً ما نصطدم بقرارات لا نرغب بها في الحياة، وخارجة عن نطاق حرّيتنا الشخصية وإرادتنا الخاصّة. المجتمع والثقافة والظروف العامة والخاصة تجتمع لاتخاذ القرار بالنيابة عنك. على الأقل هكذا أعتقد، وبالتالي فإنني أقبل بالواقع، وأرحّب به سواء أكان ليّناً أو قاسياً.


ما هو التغيير الذي تنتظره وتريده في العالم؟

- أنا مُدرِكٌ لنسبية مفاهيم الحرّية والعدالة، ولكنّنا نجد في هذا العالم بلداناً يتمتّع مواطنوها بحرّية وعدالة أكبر بكثير مما نتمتع به في عالمنا العربي، وأعتقد أن الطريق لمزيدٍ من الحرية والعدالة يكمن في الانعتاق من المراكز الرأسمالية العالمية، سياسياً واقتصادياً، علماً أن ذلك ليس مسألة سهلة. وعلى الصعيد الثقافي، ينبغي أن نُعيد فهم أنفسنا وتراثنا على نحو حديث ومتجدّد، وإذا استمررنا بحلم العودة إلى الماضي، ونسْخه كما هو، فلا يمكن أن نتقدّم أبداً؛ نظرية التطوّر تنطبق على كلّ الأشياء، بما في ذلك الثقافة، وعلينا أن ندرك أن الغرب لم يتقدّم دون الانعتاق من سلطة الدين السياسيّ، وسلطة الموروث الثقافي الجامع.


شخصيّة من الماضي تودّ لقاءها ولماذا هي بالذات؟

- أودّ لقاء العديد من الشخصيات العتيقة في التاريخ، ولكنّني أعتقد أن هذه الشخصيات لم تكن موجودة على الإطلاق، وبالتالي لا فائدة من لقائها، لأن التاريخ قد صنعها ونقَل عنها أخباراً لم تحصل أصلاً. وهناك الكثير من الشخصيات الحديثة والمعاصرة كانت حقيقية وواقعية، لكن هل أريد أن ألتقي بها؟ لا أرغب في ذلك، لأن ما نقرأه عن تلك الشخصيات يولّد لدينا انطباعات تكون عادة مختلفة تماماً، وإلى حدّ بعيد، عن الشخصية الناطقة لها، فكثير من الكتّاب والمفكرين والشعراء يبدعون في كتاباتهم، وعند مقابلتهم تتفاجأ أو تنصدم بطريقة تعبيرهم أو أسلوبهم في الحديث، فيتراجع اهتمامك بهم، لذلك أرغب في التعرّف إليهم من خلال كتاباتهم وحسب.


صديقٌ أو كتابٌ تعود إليه دائماً؟ 

- الكتب التي أعود إليها باستمرار، عندما أرغب في البحث عن شيء محدّد، أذكر منها "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" لحسين مروّة.


ماذا تقرأ الآن؟

- لست من هواة الرواية بشكل عام، لكنّني تعرّفت إلى الكاتب سميح مسعود قبل سنوات، ووقعت في غرام رواياته، بخاصّة ثلاثيته "حيفا.. برقة: البحث عن الجذور". وحالياً، أقرأ كتابه الأخير "شهادات حول بحثي عن الجذور". يشدّني أسلوبه السلس الجميل في الكتابة، بالإضافة إلى مشاعره الوطنية. إنه يُعيد لي الأمل بتحرير الأرض، ما دام هناك أشخاص مثله يبذلون كلّ هذا الجهد لربط الشعب الفلسطيني بأرضه وتاريخه.


أيُّ تجربةٍ غنائيّةٍ أو موسيقيّةٍ يمكننا أن نشارككَ سماعها؟ 

- أنا من هواة ومحبّي الموسيقى الكلاسيكية بشكلٍ عام، وتستهويني الموشّحات الأندلسية أيضاً، وبعض الأغنيات الشعبية التي أواصل دندنتها، مثل "دقّي دقي يا ربابة" و"نسّم علينا الهوا".

كذلك أحبّ الاستماع إلى أغانٍ عراقية، ربما لأنها تحمل موسيقى حزينة وتروي تاريخاً حزيناً، ونماذج من الموسيقى الإيرانية والتركية، رغم أنني لا أفهمها، إلّا أن شيئاً ما يجذبني إليها ما زلت لا أستطيع أن أفسّره.



بطاقة

مهندس مدني وكاتب أردني من مواليد عام 1955، يحمل درجة الدكتوراه في الفلسفة. لديه العديد من المؤلّفات، منها: "حروب الفرنج... حروب لا صليبية" (2004)، و"إسماعيل مظهر: من الاشتراكية إلى الإسلام" (2005)، و"موسوعة أعلام الفكر العربي الحديث والمعاصر" (2008)، و"رحلة في تاريخ العلم: كيف تطوّرت فكرة لا تناهي العالم" (2010)، و"الحجاب في التاريخ" (2012/ الغلاف)، و"موسوعة ملخّصات أمّهات تراثنا" (2022)، وغيرها.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون