وداعاً محمّد الأسعد.. رحيل مَن عاش لفلسطين والكتابة

21 سبتمبر 2021
محمد الأسعد (1944 ــ 2021)
+ الخط -

بشكلٍ مفاجئ، رحل اليوم في مدينة الكويت الشاعر والروائي والناقد الفلسطيني محمّد الأسعد، بعد دخوله مؤخراً مستشفىً في العاصمة الكويتية لإجراء فحوصات إثر حمّى أصابته. خبرٌ تداوله بكثير من الصدمة أصدقاءُ الراحل، على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما أنه كان بصحة جيّدة وفي ذروة عطائه الإبداعي.

وُلد محمّد الأسعد ـــ الذي كان واحداً من أبرز كتّاب القسم الثقافي في "العربي الجديد" ـــ في قرية أمّ الزينات، على السفح الجنوبي لجبل الكرمل في فلسطين المحتلّة، في السادس من أيلول/ سبتمبر من عام 1944. اضطرّ وعائلته إلى النزوح من منزلهم وأرضهم إثر النكبة، 15 أيار/ مايو 1948، بعد اقتحامها من قِبَل العصابات الصهيونية. نشأ الأسعد في البصرة التي لجأت إليها عائلته ودرس الاقتصاد والتجارة في "جامعة بغداد"، ثم انتقل إلى الكويت حيث عمل فيها صحافياً أوّل الأمر، قبل أن يتنقّل بين أكثر من بلدٍ عربي وأوروبي، ليعود بعد ذلك إلى الكويت، التي بقي فيها حتّى رحيله.

لم يكن هذا العام، على صعيد الكتابة والنشر، استثنائياً في مسيرة صاحب "أطفال الندى"، وهو الذي عُرف بإنتاجه الغزير والمتعدّد ونشاطه واهتماماته الواسعة والموسوعية؛ حيث صدر له، قبل أسابيع فقط، كتاب "الفلسطيني يتلو فاتحة القرن الجديد: قراءات في الماضي/ الحاضر" (دار "خطوط وظلال"، عمّان)، وترجمةٌ لرواية "الشياطين" لـ فيودور ديستويفسكي (منشورات "ذات السلاسل"، الكويت)، كما أُعادت الدار نفسها، "خطوط وظلال"، طبع كتابه "مستشرقون في علم الآثار: كيف قرأوا الألواح وكتبوا التاريخ" في نسخة جديدة وموسَّعة.

بدأ الأسعد تجربته الكتابية مع الشعر، حيث نشر أولى قصائده عندما كان طالباً في "جامعة بغداد"، ليصدر ديوانه الأوّل، "الغناء في أقبية عميقة"، عام 1974 (منشورات وزارة الإعلام العراقية). وقد أتبعه بدواوين "حاولتُ رسمكِ في جسد البحر" (دار الطليعة، الكويت، 1976)، و"لساحلكَ الآن تأتي الطيور" (دار إبن رشد، بيروت، 1980)، و"مملكة الأمثال" (دار العودة، بيروت، 1986)، في حين صدرت أعماله الشعرية لدى منشورات "مرايا" (المحلّة الكبرى، مصر) في جزأين (2009 و2011).

ومنذ وقت مبكّر من مسيرته، وضع الراحل أعمالاً في النقد، مثل "مقالة في اللغة الشعرية" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1980)، و"الفن التشكيلي الفلسطيني" (دار الحوار، دمشق، 1985)، و"بحثاً عن الحداثة" (مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1986). ولطالما عُرف باهتمامه بالعلاقة بين الاستعمار والاستشراق كخطاب سياسي ـ ثقافي، وبين أحوال الآثار العربية والخطاب المعرفي الذي يتناولها، وهو ما وضع حوله "مستشرقون في علم الآثار" ("مسعى" و"الدار العربية للعلوم - ناشرون"، الكويت - بيروت، 2009)، إضافة إلى العديد من المقالات التي نشرها "العربي الجديد".

كاتبٌ من تلك الطينة النادرة التي منحتنا أسماء مثل أصدقائه غسان كنفاني وناجي العلي

كما دخل عالم الكِتابة الروائية عام 1990 مع "أطفال الندى" (دار "رياض الريّس" للطبعة الأولى، 1990، ثم "دار الفيل" للطبعة الثانية، 2013)، التي يروي فيها قصّة تهجير أهل قريته أمّ الزينات، والتي حظيت بترحيب العديد من الكتّاب والنقّاد وترجمت إلى لغات عديدة، حيث وصفها الروائي الأردني غالب هلسا بأنها "رواية ذاتُ فرادةٍ في لغتنا العربية". تبِعت هذا العمل روايات أُخرى، مثل: "حدائق العاشق" (دار "العصور الجديدة"، القاهرة، 2001)، و"أصوات الصمت" ("مسعى" و"الدار العربية للعلوم - ناشرون"، الكويت - بيروت، 2009)، على سبيل المثال لا الحصر، في حين صدرت أعماله الروائية عن منشورات "جمعية البيت للثقافة والفنون" في الجزائر (2009).

عُرف الأسعد أيضاً بترجماته، وهو الذي يُعَدّ من أبرز وأوائل مَن نقلوا إلى اللغة العربية قصائد ودراسات عن شعر الهايكو، حيث ترجم كتاب كينيث ياسودا "واحدة بعد أخرى تتفتح أزهار البرقوق: دراسة في جماليات قصيدة الهايكو مع شواهد مختارة" ("المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب"، الكويت، 1999)، كما ترجم مسرحية "بعد السقوط" (1998) لآرثر ميلر، ومحاضرات لإيتالو كالفينو بعنوان "ستّ وصايا للألفية القادمة" (1999) لدى الناشر نفسه. وتُضاف إلى هذه القائمة ترجمته لرواية "مزرعة الحيوان" لجورج أورويل ("ذات السلال"، 2019) والعديد من الترجمات لنصوص وقصائد مختارة نشرها في صحف ومجلات عديدة.

لكنْ رغم التنوّع الكبير في كتاباته واهتماماته، ظلّ الأسعد ينظر إلى الشعر باعتباره الحجر الأساس في تجربته، أو ربما هويّته الكتابية. يقول في حوارٍ له نُشر عام 2004: "أنا شاعرٌ وكفى، سواءً كتبت شعراً أو رواية أو بحثاً أو ترجمت كتاباً".

مع رحيل محمد الأسعد، تخسر الكِتابة الفلسطينية والعربية مُبدعاً لطالما عُدَّ من تلك الطينة النادرة التي منحتنا أسماءً مثل غسان كنفاني وناجي العلي الذي جمعته به المواقف السياسية، وهو ما يجعل قراءته، اليوم، تبدو ملحّةً في وقتٍ يحاول فيها الإنسان الفلسطيني والعربي استعادة ذاته.

المساهمون