نقاشات الأندلس واحتكار التاريخ.. ثلاثة كتب إسبانية

24 اغسطس 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- في عام 1936، أدرجت "الأكاديمية الملكية الإسبانية" تعريفاً لكلمة "استرداد" في المعجم الإسباني، مما أثار جدلاً بين المؤرخين حول دقة هذا المصطلح.
- تصاعدت الخطابات الوطنية والقومية في إسبانيا، مما أدى إلى نشر العديد من الدراسات والكتب التاريخية التي تناقش مصطلح حروب الاسترداد، مع انقسام المؤرخين بين مؤيد ومعارض لاستخدامه.
- كتب مثل "قصة أسطورية موجزة من اسبانيا" و"إسبانيا المتنوعة" تعكس النقاش الراهن حول الأندلس داخل الهوية الإسبانية، مع محاولات الأحزاب اليمينية لتوظيف التاريخ لخدمة مصالحها السياسية.

في عام 1936، أدرجت "الأكاديمية الملكية الإسبانية"؛ المؤسسة الثقافية واللغوية الأُولى المعنية بقضايا اللغة الإسبانية وتطوّر كلماتها وقاموسها، في المعجم الإسباني، تعريفاً ثانياً لكلمة "استرداد" Reconquista، جاء على الشكل الآتي: "استرداد الأراضي الإسبانية التي غزاها المسلمون في عام 711 وانتهت عام 1492 باستعادة غرناطة".

وعلى الرغم من اعتماد هذا المعنى فيما بعد في التأريخ الرسمي الإسباني، للإشارة إلى فترة الوجود العربي الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية، وما يتضمّنه من معاني الغزو والاحتلال، ظلَّ هذا المصطلح إشكالياً عند بعض المختصين في الدراسات التاريخية والأندلسية الذين رفضوا استخدامه وقاموا بمساءلة بسيطة: كيف يمكن استرداد ما لم يُؤخذ أو يُحتل أبداً؟

في الأشهر الأخيرة، ومع ارتفاع لهجة الخطابات الوطنية والقومية من قبل الأحزاب اليمينية في إسبانيا، صدرت العديد من الدراسات والكتب التاريخية التي تناولت الموضوع الأندلسي، وأكدت على ضرورة مواجهة القراءات السياسية والمعارك الأيديولوجية التي من شأنها أن تحتكر التاريخ وتتحكّم بسرديته، بعيداً عن الموضوعية والدقة العلمية، ومن أجل أجندات سلطوية.

نقاش حروب الاسترداد هو ما يتناوله كتاب "استرداد! استرداد؟ استرداد"، أحد هذه الكتب الجديدة الصادرة عن دار "ديباتيس" لمجموعة من المؤلفين والمؤرخين. وكما يبدو من العنوان، يناقش الكتّاب المواقف المختلفة حول مصطلح حروب الاسترداد، حيث يدافع قسم كبير من المؤرخين عن ضرورة استخدام هذا المصطلح للإشارة إلى عملية استرداد الأراضي الإسبانية التي "احتلها" المسلمون؛ في حين يدافع آخرون عن الأندلس، ويناقشون اغتصاب الكاثوليكية الوطنية الإسبانية، منذ عهد فرانكو، النقاش السياسي في إسبانيا، لا سيما ذلك المتعلّق في الأندلس. أمّا الموقف الثالث، فهو لأولئك المؤرخين الذين يطالبون بإلغاء هذا المصطلح، لأنه لا يعبّر تاريخياً عن حقيقة ما كان يجري في شبه الجزيرة الأيبيرية.

"قصة أسطورية موجزة من اسبانيا" عنوان كتاب آخر صدر مؤخراً عن دار "ألينزا"، وفيه يعالج دافيد هيرنانديز دي لا فويتني، المختص في القرون الوسطى، الموضوع الأندلسي، بين العديد من القضايا التاريخية الإسبانية الأُخرى. يفسّر دي لا فوينتي في الكتاب أن تاريخ الفكر الإسباني يتميّز بقدرته على خلق الأساطير، وواحدة من هذه الأساطير هي حروب الاسترداد، التي استخدمتها الكاثوليكية الوطنية للسيطرة على النقاش السياسي في إسبانيا، موضحاً في الإطار نفسه أن الكثير من القصص الأسطورية، بما فيها بعض ما يُحكى عن الأندلس، تهدف إلى إضفاء الشرعية على القوة الموجودة في السلطة، وبالتالي فإن تاريخاً آخر ممكن ومرغوب فيه.

أمّا كتاب "إسبانيا المتنوعة"، الصادر عن دار نشر "كريتيكا"، للمؤرخ الإسباني إدواردو مانزانو، فيؤكد أنّ تاريخ إسبانيا هو تاريخ ماضٍ متغيّر ومتناقض ولا يمكن تبسيطه. لذلك يقترح في مواجهة القراءات السياسية والمعارك الأيديولوجية رحلة عاطفية لإعادة اكتشاف هذا الإرث في شكل فسيفساء من الهويات والثقافات والأقاليم واللغات والحضارات. من هسبانيا الرومانية إلى عرق جزر الهند، ومن الأندلس الإسلامية إلى التحوّل، ومن السفاراد اليهودي إلى توحيد البوربون، يعرض الكتاب مفاتيح التاريخ التعدّدي والاستفزازي والموثّق والمثير للسخرية، والذي يتم استخدامه تبعاً للحزب السياسي الحاكم.

لا شك أن هذه الكتب وغيرها تعبّر بشكل أو بآخر عن راهنية النقاش حول موضوع الأندلس داخل الهوية الإسبانية، والتي تعمل أحزاب سياسية يمينية على تكرار ما فعله فرانكو، أي تحويل تاريخ إسبانيا إلى أداة لخدمة مصالح وتيارات سياسية محافظة.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون