إذا كانت النشاطات العربية في برلين قد عرفت قفزةً كبيرة منذ احتضان المدينة لجالية سورية وعربية كبيرة، بُعيد اندلاع الربيع العربي والقمع الذي رافقه، فإن العاصمة الألمانية لم تكن قبل عام 2011 في قطيعة كاملة مع ثقافات المنطقة، حيث كانت تحتضن العديد من الفعاليات والتظاهرات الثقافية المهتمّة بالعالم العربي.
"مهرجان الفيلم العربي ببرلين" هو واحدٌ من هذه المواعيد السنوية التي سجّلت حضوراً منذ عام 2009، حيث جرى إطلاق التظاهرة من قِبَل مؤسّسة "مكان ــ مركز فنون الفيلم والثقافة العربية"، في مسعى للإضاءة على جديد السينما العربية التي يضعها مخرجون عرب، في بلدانهم أو في المهجر حيث يعيشون.
في السادس والعشرين من نيسان/ أبريل الجاري، يعود المهرجان بنسخته الرابعة عشرة، التي تستمرّ حتى الثاني من أيار/ مايو المقبل، بمشاركة نحو 40 فيلماً أُنتجَ أغلبها خلال العامين الماضيين، لمخرجين من فلسطين وسورية ومصر والأردن والمغرب والجزائر والسعودية ولبنان وتونس والصومال وغيرها.
وتوجّه النسخة الجديدة تحيّة إلى السينما الفلسطينية في عام يشهد حلول الذكرى 75 للنكبة. ولهذه المناسبة يقترح المنظّمون برنامجين مصغّرين ضمن البرنامج العام؛ أوّلهُما يركّز على مجموعة من الأشرطة الفلسطينية الجديدة، بهدف "الإضاءة على التنوّع الجَمالي والشكلي في الإنتاجات السينمائية الفلسطينية الراهنة".
ومن الأفلام التي يقدّم المهرجان عروضاً لها في هذا السياق، وثائقي جمانة منّاع "اليد الخضراء" (مساء 27 و28 من هذا الشهر)، الذي يتناول واحدة من سياسات الاستعمار الاستيطاني التي تمارسها قوّات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك عبر حكاية عددٍ من الفلسطينيين الذين تقيّد سلطات الاحتلال رغبتهم في قطاف أعشاب الزعتر والعكّوب وغيرها من أراضيهم الخاصة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.
فيلم "عَلَم" (مساء 28 و29)، وهو روائيّ طويل من توقيع فراس خوري، يفكّك أيضاً منظومة العنصرية والاستعمار الإسرائيلية من خلال قصّة طالب في المرحلة الثانوية يواجه ــ من أجل فتاةٍ يُحبّها ــ قرار سلطات الاحتلال برفع علم "إسرائيل" فوق مدرستهما بإحدى مناطق الجليل المحتلّ، مع ما يعنيه ذلك من مخاطرة بأمنه.
أمّا ثالث الأفلام الفلسطينية المعروضة، فهو "حمّى البحر المتوسّط" (مساء 29 من الشهر الجاري و2 من الشهر المقبل) لمها الحاج التي تُضيء على شروط العيش في يومنا هذا بحيفا المحتلّة من خلال قصّة وليد، وهو شاب لا ينجح في التقدّم بكتابة روايته الأولى، ويعيش حالة من الكآبة لا يكسرها إلّا وصول جلال، جاره الجديد في الشقّة المجاورة.
أمّا ثاني البرامج المخصّصة للسينما الفلسطينية، فيتمثّل في تحيّة أُخرى إلى الممثّل الفلسطيني صالح بكري (1977)، الذي يكرّمه المهرجان عبر عرض ثلاثة من آخر الأفلام التي شارك فيها، وتشمل ــ إضافة إلى "علَم" للفلسطيني فراس خوري ــ كلّاً من "القفطان الأزرق" للمغربية مريم توزاني، و"بيروت هولدم" للبناني ميشال كمّون، كما يقدّم بكري محاضرةً (عصر الأول من أيار/ مايو) حول تجربته في التمثيل وحول السينما الفلسطينية بشكل عام.
يُذكَر أن المهرجان سيُفتَتح عند السابعة والنصف من مساء 26 من الشهر الجاري في "سينما أرسنال" بعرض لفيلم "الملعونون لا يبكون" للمغربي فيصل بوليفة، وهو يشمل في برنامجه مجموعة من المحاضرات وحلقات النقاش، تأتي في مقدّمتها حلقة نقاش حول "السينما الفلسطينية بعد 75 عاماً من النكبة" (عصر 29 من هذا الشهر)، ويشارك فيها المخرجون الفلسطينيون فراس خوري وجمانة منّاع وبسمة الشريف.