تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر في إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "دوْرُ المبدع ألّا يصمت"، يقول الكاتب المصري في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- الترحيل والتطهير العرقيّ، طبعاً.
■ كيف أثّر العدوان في حياتك اليومية والإبداعية؟
- لا أريد أن أكون رومانسياً في الإجابة. لم يُؤثّر العدوان في حياتي الإبداعية؛ وهذا لأنّني لا أكتب كلّ يوم بدأب الموظّفين (والدأب الوظيفي شيء محمود بالطبع). لكن زادت متابعتي لقنوات الأخبار العاجلة، عدوتُ لكلّ تظاهرة تقريباً لنصرة فلسطين في عاصمة الرايخ. تقريباً هي ما تظلّ عاصمة الرايخ، مع اختلاف المستهدَفين.
■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
- لا أحبّ أن يتحوّل الأدب والفنّ إلى مانيفستو: تجرّعنا الكثير من التواضع الذي يصرخ: "فلسطين عربية"، فقط من أجل نصرة القضية. ميادين النصرة بالكلمة هي المقالات والكتب الفكرية والتوثيقية، مقابلات مثل ما نجريه الآن، حتى لو كان الإعلام أخفّ من الكتب، فدوره لا ينكَر في تنبيه الناس وحشدهم. بالطبع، يتسرّب شيءٌ من المواقف والرؤى في فنّ المبدع، لكن لا بدّ أن يكون حذراً ألّا يحصر إبداعه في زاوية تلقٍّ واحدة، أو أن يحشر العالم في موقف واحد. لا أتكلّم عن الموسيقى والأغاني الوطنية، فهي تقوم بالدور ذاته الذي يضطلع به الإعلام، ولكن، حذارِ من الحناجر النحاسية.
برلين لا تزال عاصمة الرايخ مع اختلاف المستهدَفِين
أظن أنّ الإبداع في ذاته هو المهمّ: هؤلاء البشر قادرون على صنعه، وتقديره، والتفكّر فيه. الإبداع هو ما يفصل الإنسان عن سائر الحيوانات، وهو شهادة ميلاد حقيقية لهذا الجنس؛ إن توقّفنا عنه متنا، ولا أظنّ أنّنا سنموت، على الأقل في الوقت الحالي.
سأسمح لنفسي بتعديل سؤالك من إمكانية وفعالية الإبداع إلى إمكانية وفعالية المبدع، وأظنّ أن دوره الممكن والفعّال هو ألّا يصمت.
■ لو قُيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أم مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
- الإبداعي بلا تفكير.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- العدل. حلم مستحيل تقريباً، أليس كذلك؟
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟
- لم أفكّر في هذا السؤال من قبل، ربّما غسان كنفاني؟ سأقول له كلّنا تحت الشمس الآن، مهما اختلف شكل الناقلة التي تحبسنا، لكنّنا لن نموت.
■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟
- إن جاز لي أن أتكلّم بصيغة الجمع فسأقول: نحن آسفون، نحن آسفون فعلاً.
■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
- قاوِم.
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان: ماذا تريدين من العالم؟ أجابت: "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
- أقول لها: أمامك الحياة رغم الموت، ولا تسمعي لمن يعتبرون الأمل خطيراً. أقول لها إنّ الأمل هو أجمل ما نمتلك، وإنّ المحبّة قوية كالموت، وإنّ الحياة أقوى من كليهما. ستعيشين رغم كلّ شيء، مثل كلّ الناس في غزّة وفي كلّ ركن آخر من الدنيا. تسري هذه المعجزة الصغيرة التي تُسمّى الحياة بين الصخور والتراب والطين وبقايا كلّ شيء. قد يبدو هذا غريباً الآن، غرابة العادي واليومي، ربّما جلفاً في غمار هذه الظروف حتى، لكنك يا دارين ستضحكين. ستضحكين في يوم من الأيام. نحن نضحك رغم كلّ شيء، علّمنا الفلسطينيون والمصريون ذلك.
بطاقة
كاتب مصري من مواليد 1979 في القاهرة، يعيش في برلين. صدرت له ستّ روايات؛ هي: "إنجيل آدم" (2006)، و"اليوم الثاني والعشرون" (2007)، و"الصنم" (2008)، و"القدم" (2009)، و"كلب بلدي مدرّب" (2014)، و"الأعراف" (2019)، وأربع مجموعات قصصية؛ هي: الضفّة الأُخرى (2003)، و"الحياة السرية للمواطن م" (2008)، و"الصغير والحالي" (2012)، و"موسم الهجرة لأركيديا" (2015). تُرجمت مجموعة من نصوصه إلى عدّة لغات أجنبية.