محنة القراءة

08 فبراير 2016
(بوابة مكتبة عامة في روسيا)
+ الخط -

في 1837، كتب رالف ولدو إمرسون "على الإنسان أن يكون مخترعاً إذا أراد القراءة جيداً"، كان ذلك في زمن مبكر من أزمنة الحداثة بدت فيه القراءة رافداً لصعودها. من كان يصدّق أن الحداثة نفسها هي التي ستحفر للقراءة قبراً، وإن لم تستطع أن تضعها فيه وتعيد التراب فوقها.

لعل محنة القراءة، بين الموت الحياة، تذكرنا بنبوءات أخرى أطلقها المفكرون، مثلاً قال أوغست كونت إن البشرية دخلت المرحلة العلمية العقلية وتجاوزت مرحلة الدين، ولكن تمازجت المرحلتان وما زالتا كذلك. وقال هيغل بموت الفن وموت الشعر، فإذا بهما يظهران في إخراجات جديدة.

حتى الأساطير والميثولوجيات التي بدت وقد انتهى دورها نهائياً، ظهرت من جديد. إنها لم تمت، لكن جرى استبدالها، فأنشأت الدول الحديثة أساطيرها، من نابليون إلى هتلر وصولاً إلى آخر ديكتاتوريات القرن الحالي، بل وأجبرت الناس على عبادتها بالقوة.

ذاك هو حال القراءة إنها تعيش تحت سقف التنبؤ بفنائها، لكنها تعرف أنه ستجد مخرجاً لمواصلة الحياة. هذه المواصلة لا تحتاج سوى إلى "قارئ مخترع"، يستطيع أن يحيي طقوس القراءة في نفسه رغم كل شيء.

هكذا تبدو مقولة إمرسون صالحة أيضاً في زمن ما بعد الحداثة. في داخل الإنسان ثمة علاقة منفعية ثابتة بكل الأشياء التي جرى التنبؤ بزوالها: الفن والدين والقراءة وغيرها، لذلك فلا شيء مما اخترعه الإنسان أو وجده يموت.


اقرأ أيضاً: صنعة المفاهيم

المساهمون