مع غزّة: محمد نجم

19 اغسطس 2024
محمد نجم
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الهاجس والتأثير الشخصي:** محمد نجم يعبر عن قلقه من تعود العالم على مشاهد العدوان على غزة، مما يؤدي لاستمرار الحرب وسقوط الضحايا. العدوان أثر سلباً على حياته اليومية والإبداعية، حيث يشعر بالإحباط والعجز عن كتابة موسيقى جديدة.

- **دور العمل الإبداعي:** نجم يرى أن العمل الإبداعي يمكن أن يؤثر على الرأي العام ويضغط عليه من خلال تسليط الضوء على القضايا الفلسطينية. يعتبر الفنانين سفراء للهوية الثقافية الفلسطينية، التي يحاول الاحتلال محوها منذ عام 1948.

- **التغيير والأمل:** نجم يتمنى إنهاء الظلم والمعاناة والحروب، ويطمح لعالم عادل. يعبر عن رغبته في لقاء غسان كنفاني، ويوجه رسالة دعم وحب للأطفال الفلسطينيين، مؤكداً أنهم ينهضون من تحت الرماد.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "هاجسي موت الإنسانية أو ما تبقّى منها"، يقول الموسيقي الفلسطيني محمد نجم لـ"العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- الهاجس الذي يشغلني هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوان إبادة على غزّة هو أن يتعوّد العالم على هذا الحدث وهذا المنظر ويفقد الإحساس بفظاعة الموقف. هاجسي أن تستمرّ الحرب وأن يقع ضحايا آخرون من الأطفال والنساء وكبار السن. هاجسي أن يتفشّى المرض، فإذا نظرنا معمّقاً، نجد أنّ المرض قد تفشّى في العالم أجمع حينما تكشّف الوجه الحقيقي عن مبادئ الإنسانية التي تشمل فقط عرقاً معيّناً وتحت ظروف وشروط معيّنة. هاجسي أن تموت الإنسانية أو ما تبقّى منها.


■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- أثّر العدوان على حياتي وحياة الجميع بالسلب بالطبع. أشعر بإحباط جديد ولا أجرؤ على كتابة موسيقى جديدة أو حتى التفكير في مشروع جديد. أُنجز فقط مهامي أو التزاماتي التي تمّ الاتفاق عليها مسبقاً. فقدتُ، مثل الجميع، الشغف والشعلة التي كانت تضيء الروح بالبهجة والسعادة عند إنجاز عمل معيّن. نحن جميعاً، وأنا تحديداً، أشعر بالعجز عن فعل أيّ شيء. أثّر هذا العدوان على حياتي بزيادة عزلتي في محاولةٍ للعثور على أجوبة لأسئلة عديدة ظهرت في هذه الفترة، منها ما وجدتُ لها حلولاً وأجوبة، ولكنّ القسم الأكبر لا يزال بلا إجابات.


■ إلى أيّ درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- العمل الإبداعي فعّال، ليس في مواجهة حرب الإبادة، فنحن عاجزون عن فعل أيّ شيء لمواجهتها، ولكنّنا نستطيع أن نُؤثّر ونضغط على الرأي العام أو على الرأي العام المحيط بنا بصفتنا فنّانين. في تلك المسارح التي نعزف بها، نُذكّر الناس ونُسلّط الضوء على قضايانا مع الجمهور لحثّه على البحث عن المزيد من الأجوبة أو المعلومات. نحن نقوم بدور سفراء نمثّل الجانب الثقافي والهوياتي الفلسطيني، الذي سُلب في عام 1948 عندما تمّت سرقة أرشيف إذاعتَي "هنا القدس" و"الشرق الأدنى"، وعندما تمّ تهجير جميع المبدعين الفلسطينيّين إلى المهجر، في محاولة لمحو الهوية الثقافية المتأصّلة والمتأثّرة بتراب فلسطين، لكنّهم فشلوا في ذلك ويفشلون في كلّ مرّة.

العمل الإبداعي يسمح لصاحبه بأن يكون حرّاً مرّةً أُخرى

دور العمل الإبداعي هو توثيق لحظةٍ أو فترة، وتسليط الضوء على قصّة أو موقع أو زمان معيّن تمّ نسيانه، أو على عمل يريد منه الموسيقي أو المبدع أن يبقى في الذاكرة. نحن مرّةً أُخرى سفراء ننقل الصورة الثقافية والهوية الفلسطينية إلى الجمهور الذي قد لا يكون قد تعرّض لمبدع أو فنّان فلسطيني، وإلى الأجيال القادمة، والأجيال الحاضرة، لكي يتأثّروا بحس الانتماء الملتزم بالقضية وتاريخ هذا البلد. ففلسطين ليست فقط مكاناً، بل هي هوية وثقافة متجذّرة في نفوسنا وذاكرتنا الجماعية.


■ لو قُيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- لو قُيِّض لي البدء من جديد، لاخترت المجال الإبداعي؛ لأنّ فيه دائماً فسحة ومجالاً للحرية... فسحة للتعبير والسفر روحياً إلى أماكن يصعب الوصول إليها بالتفكير المنطقي والعقلاني. نعم، التفكير الإبداعي يتّسم بنوع من الجنون والأفق الواسع الذي يسمح لصاحبه بالغوص عميقاً لرؤية المواضيع بشكل مختلف ومن زوايا أُخرى. لا أرى نفسي، ولم أرَ نفسي، في مجال السياسة، لأنّ السياسة والسياسيّين جميعاً عبارة عن مجموعة من الكذبة والمنافقين الذين يخدمون أجندات شخصية وأجندات أشخاص أو مجموعات أُخرى. بينما العمل الإبداعي يسمح لصاحبه بأن يكون حرّاً مرّةً أُخرى وصادقاً وعلى اتصال مباشر مع جمهوره. في النهاية، الجمهور سوف يفهم أو يُحبّ، وهذا موضوع يرجع إلى الذوق الشخصي والذوق العام.


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- ليت لي المجال لأن أُغيّر بعض الأمور في هذا العالم، سأبدأ بالتأكيد بإنهاء الظلم، والمعاناة، والمجاعات، والحروب، والتلوّث الفكري والذوقي، والسمعي، والثقافي، والبيئي بالتأكيد. يجب أن نعود إلى الفكرة الأساسية من الوجود وهي الإعمار وليس الدمار. لو كان لي أن أتمنّى تغيير هذا العالم، فسأتمنّى بكلّ بساطة انتهاء العولمة والنظام الرأسمالي، وأن يكون هناك عدل ومساواة بين البشر كافّة. يجب أن نسمح للجيل الجديد أو نترك له مجالاً لعيش حياة أفضل.

أودّ لقاء غسّان كنفاني لأقول له شكراً لأنّك كتبت

■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟ 

- بلا شك، غسّان كنفاني، أودّ أن أقول له شكراً لأنّك كتبت. لو لم تفعل، لما عرفناك، ولما عشنا كلّ أحداث رواياتك، وما كنّا سنتعرّف على رأيك وحكمتك وفراستك. شكراً يا غسّان.


■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟

- الكلام يعجز عن التعبير. لا أستطيع أن أقول أيّ شيء لأهلنا في غزّة إلّا كلمة واحدة: سامحونا. سامحونا جميعاً.


■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- أعلم أنّ الإنسان العربي مناصرٌ للقضية الفلسطينية، لكنّه قد يكون محدوداً في قدرته على إحداث تغييرات كبيرة. ومع ذلك، أقول له: كُن فخوراً بكونك عربياً. نحن لسنا متخلّفين ولا أقلّ من الآخرين. لقد حاول الغرب تشويه صورة العرب وجعلهم يعتقدون أنّ العرق الأبيض هو المتحضّر بينما العرب متخلفون. اعتز بهويتك وركِّز على تحسين نفسك لتكون الأفضل، فجذورك ومبادئك تمنحك القوّة لتكون مميّزاً. اعمل على تطوير نفسك ثمّ على محيطك، وكُن مؤثّراً بشكل إيجابي في حياتك وحياة الآخرين. كُن منفتحاً، استمع إلى الآخرين، وتقبَّل وجهات النظر المختلفة دون إصدار أحكام مسبقة. أمّا للحكومات العربية، فأقول: صباح الخير.


■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟

- إلى دارين وإلى جميع أطفال فلسطين: نحن كطير الفينيق الأسطوري يخرج من تحت الرماد في كلّ مرّة يتمّ فيها إحراقه. من تحت الرماد يخرج أطفال فلسطين. أمّا إليك يا دارين: يا عمّو أنا بحبّك كتير، أنت كتير قوية وكتير شاطرة، وكان المفروض تعيشي حياة أحلى بكتير من هيك. هذا ليس ذنبك وأهلك هلأ هم عايشين كلّهم في الجنّة مبسوطين. الله يرحمهم كلّهم ويرحم جميع الشهداء.



بطاقة

مؤلّف موسيقي وعازف كلارينت وناي من مواليد القدس عام 1984. نشأ في مدينة بيت ساحور ثمّ انتقل لإكمال دراسته والعيش في فرنسا. عزف في العديد من المهرجانات والمسارح العالمية، وسجّل العديد من الأعمال الموسيقية لمشاريع مع عدّة فرق وموسيقيّين. يعمل حالياً مسؤولاً أكاديمياً في مؤسّسة "فيلهارموني باريس".

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون