كُن فلسطينيّاً...

كُن فلسطينيّاً...

12 يونيو 2023
"خارطة الطريق نحو التصفية" للفنانة الفلسطينية رنا بشارة
+ الخط -

كُن فلسطينياً كي تتعلّم التداول اليومي للألم.

كُن فلسطينياً كي تسترق الشعر من الشعارات.

كُن فلسطينياً، كي تكون أخلاقياً مع وجوب كلّ معركة.

لن تكون شاعراً إلّا حين تبدأ بإدراك هشاشتك، المادية والوجودية، كمواطن من العالَم الثالث. إلّا بأن تواجِه الشكوك والتناقضات بلا أدرية مستقرّة.

إلّا أن ترفض أن تكون مرآة في أولمبياد غير صحّي للكمال البشري.

إلّا أن تشعر أنّك في عالم لن تستمتع به، أشبه بوجبة طعام رديئة، ستبتلعها مرغماً، وستشعر بالسوء.

كُن فلسطينياً، كي تكون أخلاقياً مع وجوب كلّ معركة

إلّا أن تتقن إمعان البصر، لتجعلنا نرى من خلال التفاصيل الدقيقة، صرخات الحياة.

إلّا أن تشعر برفاهية أن تكون قادراً على ملء ما يؤلمك، وفي أيّ وقت من الأوقات، يعود فارغاً مرّةً أُخرى.

حدِّق في رعب الهوية الإشكالية للذات؛ الفتح الصعب للحرية. ممارسة العقل، الروحانية والموت. أزمة اللغة، معرفة الحقيقة. إنّها فقرات قصيرة من كتاب الأرض، غالباً ما تتمحور حول ألم سرّي أو علني، كي تسعى إلى التوليف وتتجنّب الاستطراد. 

وإن ختمت قصيدة، فخاتمة مستحيلة، لكنّها خاتمة لطالما حاول أفضل الشعر الوصول إليها. إنّها، في مفتاح إنساني، دعوة للقراءة.

أن تنظر للعالم عبر اللغة. ذلك أنّ اللغة ليست مسألةً محاصرة في أنبوب من الاختبار في الجو المغلق للمختبر. اللغة تتفوّق في العالم مع أولئك الذين يتحدّثونها بلسان الشعراء.

لا تستخلص رسائل فلسفية عميقة في شعرك، بل حاول تذوُّق كلّ لحظة في الحياة والإيثار، والكرم، والأهمية، لكي لا تتغلّب على التحيّزات.

كُن جيّداً في الاقتراح الشعري، ولكن أيضاً في الاقتراح المرِح والجمالي، لتُصبح كلماتك هدايا حقيقية للحواس.

إنّ ما يُعطي قيمةً أدبية لكتابك الشعري هو، على غير وجه التحديد، نقل عملية الاستماع إليه، لأنّ الاستماع إلى ألم وشفقة الناجين يغيّر حساسية من كانوا هناك، على الجانب الآخر، باطل.\

أن تنظر للعالم كخليط من تراجيديا وكوميديا سوداوَين مليئتَين بالأخطاء. 

أن تُنير مخطوطة الأرض بأسى الراحلين. 

إنّ الشعري فيك ليضيء المنطقة ويعطي معنى للكلمات التي تحوّلت إلى أشكال حزينة بدون لغة.

أن تتعامل مع حياتك كمسيرة فقدان. ضروري أن تكون نقطة البداية هي الخسارة دوماً. ألم يقل الشاعر: "العيش كنز ناقص كلّ ليلة"؟

يحاول الشاعر طُرقاً مختلفة لافتراض الحاجة إلى البقاء على قيد الحياة، مع الاقتراب من حياة أولئك الشهداء الذين كان البقاء على قيد الحياة أمراً مستحيلاً لهم. لأنّ الشاعر يعني البقاء على قيد الحياة، وهذا لا يعني ترك ما تمّت تجربته، ولكن تعلم العيش على الرغم من كلّ شيء.

إن عالماً تراجيدياً مؤلماً يقوّي القلب من حين لآخر بفضل الفكاهة.

الشعر رحلة تتحدّى كلّ شيء نأخذه كأمر مسلَّم به.

أن تتساءل: لِم ثمّةَ في الكوكب بلدان هي عبارة عن جحيم عالي الدقّة ـ مع أنّ الوجود ليس إرثاً حصرياً لأيّ شخص، أكان حاكماً أو صعلوكاً؟

أن ترتبط به عبر مرور الوقت لأنّ تجربة التغيير وفقاً لإيقاع الطبيعة ومرور الفصول يعيد لنا إنسانيتنا.
لا شعر مع اليقين، ولا شعر خارج بؤرة الألم.

وهكذا، أحب لشعرنا الفلسطيني أن يُنسب دون الكثير من النقاش إلى ما يُسمّى بشعر التجربة. إنّه بسيط في الشكل، مع شفاهة مصطنعة بمهارة، لكنّه قوي في الجوهر.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية

المساهمون