كلود صالحاني.. ذاكرة ثلاثة عشر حرباً

30 يناير 2023
مجموعة من السيارات المُحترِقة في حي الأشرفية ببيروت، من تصوير كلود صالحاني، 1978 (Getty)
+ الخط -

جدلية الحرب والصورة هي ما يبحث فيه المعرض الفوتوغرافي المُقام في "دار المصوّر" ببيروت، منذ الثاني عشر من الشهر الجاري وحتى الحادي والثلاثين منه، بعنوان "كلود صالحاني: ذكرى المصوّر الصحافي"، ويضمّ أعمالاً من اشتغالات المصوّر اللبناني الراحل كلود صالحاني (1952 - 2022).

ورغم أنّ المعرض لا يكشف عن أرشيف صالحاني الفوتوغرافي كاملاً؛ إذ يعمل على جمعه وتوليفه جاستن صالحاني (ابن المُصوِّر)، فإنّه يُضيء على موضوعة الحرب بشكل رئيسي، بما مجموعه ثلاثة عشر حرباً، لا في لبنان فحسب، بل بالانتقال ما بين العراق والأردن والكويت أيضاً، إلى جانب حضور صور أُخرى لأعلام السياسة والفنّ، من فلسطين وسورية ومصر، حضوراً توثيقياً بعيداً عن النزعة التمجيدية واختراع القادة.

تُعيد الصور المعروضة المتلقّين إلى ذاكرة السبعينيات والثمانينيات، لما شهدته المنطقة في هذين العقدَين من حروبٍ مديدة راح ضحيّتها الآلاف من الناس، وهو ما تشتغل عليه كاميرا صالحاني بحساسية: طوابير من المُهجَّرين، ونظراتٌ يشوبها الخوف والرعب من حجم الدمار، ومدن وشوارع تعجّ بالملثّمين ومُقاتلي المليشيات اليمينية من خلف السواتر.

تركز الأعمال المعروضة الصورة حول الإنسان وتبيّن مدى جدواها

للحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) الحصّة الأكبر من الصور، إذ ينقل المعرض لقطاتٍ من "حرب السنتين" (1975-1976) التي تُعدّ العتبة الأولى لمراحل الحرب، إلى جانب صور أُخرى، من فترات ومراحل متقدّمة، كتدمير "مقرّ قوات المارينز" عام 1983، ولا بدّ من الإشارة إلى الصورة الشهيرة التي وقّعها صالحاني وتُظهر أحد الجنود وهو راكع يبكي، لتترشّح هذه الصورة، لاحقاً، لـ"جائزة بوليتزر".

الأبيض والأسود، كلونين يطغيان على صور المعرض، يُفسحان المجال لتأخذ عملية التوثيق والأرشفة مداها، وليقول التاريخ كلمتَه من خلال الصورة، ولتُفصح مهنة التصوير عن موقعها في تمثيل أوجاع الإنسانية ببُعدٍ تراجيدي، إذ لطالما توجَّه النقد إلى موقع المصوِّرين في الحروب، وماذا يريدون أن يقولوا من وراء صورهم، وإن كانت هذه الأخيرة تحملُ انحيازات سواء كانت مُبطّنة أو علنية. 

الصورة
جنازة أم كلثوم - القسم الثقافي
(من أشهر التقاطات صالحاني التي تضمّنها المعرض)

وهذا ما يتحقّق من خلال عملية مسح بانورامية، ينتقل فيها صالحاني من الناس العاديّين إلى آخرين، هم ليسوا أكثر "شُهرة" أو "نجومية"، إنّما تسليط الضوء عليهم في سياق ولحظة معيّنة هو ما يخدم وظيفة المصوِّر، وهنا نستحضر صورته الشهيرة لمأتم "كوكب الشرق" أم كلثوم عام 1975، والجموع الغفيرة التي حضرت، وفي قلب الصورة صورةٌ أُخرى لأمّ كلثوم كُتب عليها "شهيدة الحبّ الإلهي".

وما يزيد المعرضَ أهميةً أنّنا اليوم بتنا نُميّز أثَر الصورة في وسائل الإعلام، بل وفي حياتنا اليومية أيضاً. ورغم ما يشهده هذا القطاع من تطوّر في الأدوات "تجمّل" الواقع، و"تفلتر" (تصفّي) موضوعاته، بطريقة تُحيل إلى ما هو أقل أهمية على المستويَين الإنساني والاجتماعي، يأتي المعرض ليعيد مركزة الصورة حول الإنسان، ويبيّن مدى جدواها.

المساهمون