كلود رومانو: أبعد من التعريف المنطقيّ للهوية

18 نوفمبر 2022
لورين هاريس/ كندا
+ الخط -

بعد تأليفه كتباً حول الزمان، والحدث، والكينونة، والذات، والعقل، وغيرها من المفاهيم الكلاسيكية في الفلسفة، يلتفت المفكّر الفرنسي كلود رومانو هذه المرّة إلى مفهوم الهوية، من خلال كتابه الصادر حديثاً عن دار "سوي" في باريس بعنوان "الهوية الإنسانية في حوار".

ينطلق المؤلّف من ملاحظة أن الهوية "لم تتحوّل إلى سؤال، أو إلى إشكالية، إلّا حديثاً جدّاً"، حيث بقي المفهوم مُصطلحاً فلسفياً متّفقاً على معناه، إلى حدّ بعيد، حتى منتصف القرن الماضي، قبل أن يُصبح منذ ذلك الوقت مسألة "اجتاحت كلّ حقول الفكر، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وعلم النفس، والفلسفة، وفرضت نفسها في النقاش العام".

ويرى رومانو أن النظرة إلى الهوية عرفت تغيّراً مع ظهور الأنظمة الديمقراطية والخطاب حول المساواة والعدالة بين الناس، حيث اختلطت الأوراق القديمة، التي تربط هوية الإنسان بنسبه العائلي أو العِرقيّ، ليُطرح السؤال بلغةٍ تأخذ بعين الاعتبار معطيات جديدة، مثل الفردية، ورغبة الإنسان بتعريف نفسه بنفسه، أو حتى محاولته للخروج من هويّة وجدها أمامه حين ولادته نحو هويّة يبحث عن تشكيلها أو عن التماهي معها، إن كان على الصعيد الديني أو القومي أو الجنسي أو الأخلاقي.

ويشير صاحب "الحرّية الداخلية" (2020) إلى أن الفلاسفة لطالما انشغلوا بالهوية انطلاقاً من فهمٍ "رقَميّ" لها، بمعنى أنها تعبيرٌ عن وحدة أو فرادة المرء، بحيث لا يمكن لشخص ما أن يكون إلّا نفسه، واحداً منفرداً، وهو التعريف الأساسي للهوية منذ رُنيه ديكارت وجون لوك حتى اليوم.

الصورة
كتاب كلود رومانو

ويرى رومانو أن هذا الفهم للهوية صحيحٌ جزئياً وبدهيّ، إذ أن هذه الهوية "الرقَمية" مُعطاة منذ ولادتنا، لكنّها لا تتجاوز حيّز السجلّات الحكومية والأوراق الرسمية. أمّا الهوية الفعلية التي تشغل الناس فعلياً، والتي يُسألون عنها أمام الآخرين وحتى أمام المؤسسات القضائية، فهي الهوية "النوعية" أو "الكيفية" (qualitative)، التي تحدّد طبيعة شخص واختلافه عن آخر، والتي يرى المؤلّف أنها هي التي تقف وراء النقاشات الحادّة والعنيفة أحياناً حول الاختلاف الثقافي وتقبُّل الآخر أو رفضه.

بعبارة أُخرى، ينقل رومانو النقاش حول الهوية، وتعريفها، من مسألة الشكل المنطقية إلى مسألة المحتوى، ذاك المحتوى الذي يتشكّل من تجارب الإنسان وعلاقاته وماضيه ورغباته وأفكاره وبنيته النفسية؛ وهو فهمٌ للهوية بدهيٌّ أيضاً لدى كلٍّ منّا، لكنّ الفلاسفة قلّما توقّفوا عنده رغم تناولهم بكثافة لهذا المفهوم.

المساهمون