كاتب من العالم: مع ألتشين سيفغي صوتشين

03 يونيو 2024
ألتشين سيفغي صوتشين (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الشاعرة التركية Elçin Sevgi Suçin تشارك رؤيتها حول الثقافة والأدب في تركيا، مؤكدةً على غنى البلاد بالإنتاج الأدبي والشعري، وتبرز الدعم الكبير للثقافة من خلال مهرجانات وورش عمل أدبية.
- تعبر Suçin عن شغفها بالشعر كوسيلة للتعبير عن معاناة الإنسان وتأثير الحروب، خاصةً في الشرق الأوسط، وتنصح القراء بالبدء بكتابها "قصائد للكبار، حيوات ساحرة" لفهم رؤيتها.
- تختتم Suçin بالتأكيد على دور الأدب والشعر في بناء جسور التفاهم بين الشعوب، معربةً عن أمنياتها بعالم خالٍ من الحروب وأكثر عدالة، وتشير إلى أهمية الترجمة في نشر الأدب عالميًا.

تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة عن انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع القارئ العربي. "أكتب من وقت لآخر بعض الدراسات والمقالات والقصص، لكن مهما كتبت، أعود إلى الشعر بشغفٍ كبير"، تقول الشاعرة التركية لـ"العربي الجديد".



■ كيف تقدّمين المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟

- تركيا بلدٌ ذو تعداد سكّاني كبير، ويتَّسم بشريحة شبابية مرتفعة. لذا يمكن القول إنّها غنيّة الإنتاج في الشعر والمجالات الأدبية الأُخرى. تُدعَم المهرجانات الأدبية بشكل عامّ من قبل البلديات، وهذا ما يسهّل تنظيم مهرجانات محلّية ودولية كبيرة وصغيرة كلّ عام في مختلف المدن، وخصوصاً في إسطنبول وإزمير، ويتيح ذلك الفرصة لالتقاء الأدباء ومُحبّي الأدب. الاهتمام بالكتابة كبير جدّاً لدرجة أنّنا نشهد افتتاح ورش عمل أدبية جديدة كلّ يوم تقريباً. كذلك هنالك فرق مسرحية قوية جدّاً في تركيا. وعلى الرغم من وجود العديد من الصعوبات، يجري عرض العديد من المسرحيات عالية الجودة كلّ عامّ.


■ كيف تقدّمين عملك لقارئ جديد، وبأيّ كتاب لك تنصحينه بأن يبدأ؟

- سأقدّمه على الأرجح كمظاهر مرض الإنسان والتعرّض للبشر. فكما نعلم جميعاً، هناك حروب تدور رحاها في كلّ ركن من أركان العالم تقريباً، ولعلَّ أكثرها تجري في الشرق الأوسط. أنا أعيش في بلد يقع وسط مناطق الحروب، ويحاول استضافة الناس الذين اضطرّوا إلى مغادرة ديارهم وبلدانهم بسبب الحرب، وهذا يجعلني أشهد من كثب على آلام البشر وجراحهم التي يسبّبها البشر. يمكن للقارئ الذي يريد أن يكون شاهداً على عصره، ومن يُزعجه ما يحدث في عصره، ومن يريد أن يحمل مرآةً لعصره، ومن يريد أن يُسمع صوته من أجل عالمٍ إنسانيّ أن يقرأ قصائدي. يمكنهم أن يبدأوا بكتابي الأوّل "قصائد للكبار، حيوات ساحرة".. لأنّ أسبابي للكتابة لم تتغيّر أبداً.


■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟

- لا يمكن للكاتب أن يزدهر بمعزل عن أرض وطنه. فكلُّ ما يجري في جغرافيته يجري في عروقه. في بلدي، هناك الملايين من الناس الذين نزحوا من ديارهم. أشياء فظيعة تحدث في فلسطين هذه الأيام. فالعصر الرقمي نعمة ونقمة في آنٍ واحد، بإمكانك أن تتحدَّث مع أحبابك وترى ابتساماتهم، وبإمكانك أن تتّصل بأقاربك القاطنين في أقاصي بقاع الأرض في يومٍ واحد. هذه أشياء رائعة. ولكن يمكنك أيضاً مشاهدة العنف الذي يحدث في أبعد بقعة من العالم في الوقت نفسه من منزلك، وتشاهد العواقب الرهيبة للحروب لحظةً بلحظة. هذه أيضاً أشياء فظيعة. فالخير والشرّ ينتشران بالسرعة نفسها. ولكن يبدو أنّ الغالبية العظمى من الناس اليوم يميلون إلى تقليد الشرّ. في مثل هذه الأجواء، أعجز عن التفكير في شيء آخر سوى أن أشهد على عمري بقصائدي وكتاباتي، لعلَّ أحداً يقرأها ويدرك أنّ الدمار لا فائدة منه فينحاز إلى الإنسانية.

كلُّ ما يجري في جغرافيةِ الكاتب يجري في عروقه

■ ما أكثر ما تحبّينه في الثقافة التي تنتمين إليها، وما أكثر ما تتمنّين تغييره فيها؟

- أكثر ما أحبُّه هو التعاطف وكرم الضيافة. فأينما ذهبتَ وارتحلتَ في تركيا، يسعد الناس باستضافتك، وبالأخصّ في المناطق الريفية. إذا كان لديهم رغيفان من الخبز، فإنهم يتشاركون معك رغيفاً واحداً. لا يهتمّون بما لديهم، بل يحاولون إعداد ألذّ مائدة للضيف، ويتشاركون أفراحهم وأتراحهم. كنتُ أتمنّى أن يكون التوازن الاقتصادي أفضل. وأتمنّى لو لم تكن الفجوة بين دخل الناس الشهري واسعة جدّاً.


■ لو قُيض لك البدء من جديد، فأي مسار كنت ستختارين؟

- كنتُ أتمنّى لو أنَّني بدأتُ الكتابة في وقت أبكر من ذلك بكثير، فمجال كتابتي الرئيسي لا يزال الشعر. أكتب أيضاً من وقت لآخر بعض الدراسات التحليلية والمقالات والقصص القصيرة، لكن مهما كتبت، أعود إلى الشعر بشغفٍ كبير. أعتقد أن كتابة الشعر داءٌ لا أريد التخلّص منه.


■ ما التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

- بالطبع، أتمنّى أن تنتهي الحروب والمعارك، وأتمنّى أن يجري القيام بأشياء أكثر فاعلية بشأن أزمة المناخ، والزيادة السريعة في درجة حرارة سطح الأرض، وأن تُفهَم خطورة هذه المشكلة  وأهمّيتها، وأتمنّى أن يكون توزيع الدخل والغذاء والمياه النظيفة بين الدول والأفراد عادلاً، فهذا العالم ملكٌ لنا جميعاً، وكلّنا بشر. يمكننا معاً أن نبني عالماً أفضل. لهذا، لا داعي للحروب والأسلحة وملايين القتلى.

الصورة
المنطقة 51
غلاف مجموعة "المنطقة 51" (2024)

■ شخصية من الماضي تودّين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

- أعتقد أنّ من غير الممكن تسمية كاتب واحد. أودّ أن ألتقي عمر الخيّام ويونس إمره ومولانا، وأيضاً محمود درويش. أودّ أن أتحدّث مع كلّ واحد منهم عن الشعر، عن عصورهم وفلسفتهم وأحزانهم وأشواقهم واقتراحاتهم للإنسانية، لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم ليس شاعراً فحسب، بل هم بشرٌ حسّاسون وعطوفون فكّروا في عصرهم وفي الإنسانية.


■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟

- الإنسان بالطبع! لأنّ تسامح الإنسان مع الإنسان قد تناقص كثيراً. لقد ازدادت رؤية الأدب وسهولة الوصول إليه، وبالتالي الأفكار، كثيراً. فمن ناحية، سهّلت التكنولوجيا مشاركة الأفكار بسرعة، ومن ناحية أُخرى سهّلت مراقبتها. وهذا يؤدي إلى فرض قيود على الكتّاب وتقييد حريتهم، خصوصاً في المناطق التي لا يزال يُنظر فيها إلى الأفكار على أنّها تهديد. ومع ذلك، فإنّ الإنسان خُلق ليُفكّر، وهذا ما يميّزه عن غيره من الكائنات الحيّة الأُخرى. نحن ننتمي إلى ثقافة وثوقية تقول: "لا تفكّر أبداً"، وننظر إلى التفكير على أنه تهديد.


■ ما القضايا الرئيسية التي تدفعك إلى الكتابة؟ هل تحتاجين إلى قضية لتكتبي أم أنّ الكتابة بحدّ ذاتها قضية بالفعل؟

- الإجابة عن كلا السؤالين هي نعم. من لا يشعر بعدم الارتياح لوجوده في هذا العالم ليست لديه أيّ هموم كالكتابة. الكاتب هو الشخص الذي لا تنتهي أسئلته ومشاكله حول سبب وجوده هنا. إنّه يطمح إلى أكثر من المعلومات المُكتسبة من خلال الكتب المقدّسة. لهذا السبب، يسأل بلا توقُّف، وعندما يعجز عن الحصول على إجابات لأسئلته، يحاول أن يجيب عنها بنفسه. وبما أنه لا يجد إجابة محدّدة، فهو منفيّ إلى الكتابة ما دام حيّاً. عند هذه النقطة تصبح الكتابة نفسها قضية.

سهّلت التكنولوجيا مشاركة الأفكار بسرعة ومراقبتها أيضاً

■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافقين على هذه المقولة، وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟

- أوافقك الرأي كثيراً، لأنّ ترجمة النصوص المكتوبة إلى لغات أُخرى هي ولادة جديدة لها. الولادة هي البعث والحياة، وإلّا فأنت جنين ينتظر أن يولَد بلغته الخاصّة فقط، ودائماً في رحم أُمّه. الغرض من الكتابة هو النشر. وطريقة النشر هي من خلال الترجمات. وبهذا المعنى، فإنّ المترجمين أبطال يُعيدون خلق النص في أكثر من لغة بمهاراتهم اللغوية وخلفياتهم الثقافية ومشاعرهم وعواطفهم. وقد تُرجمت بعض قصائدي إلى العربية والفارسية والألمانية والإيطالية والإنكليزية، وأُدرج بعضها في مختارات شعرية عالمية.


■ كيف تصفين علاقتك باللغة التي تكتبين فيها؟

- أكتب باللغة التركية، فالتركية هي لغتي الأمّ. بهذا المعنى، أعتقد أنّني أستطيع تعريف نفسي كلغة، لأنني لا أستطيع فصل نفسي عن اللغة، لذا فإنّ الكتابة تشبه النظر إلى نفسي في مرآة اللغة.


■ كاتب منسيّ من لغتك تودّين أن يقرأه العالم؟ 

- سأكون سعيدةً لو استطاع الناس قراءة شعرائنا مثل يشار نزيه وشوكوفه نهال، الذين نشأوا في السنوات الأولى لتأسيس تركيا وتمكّنوا من نشر دواوين شعرية في تلك الأوقات العصيبة.


■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحبين أن تكون صورتك عند قرّائك؟

- كنتُ أودُّ كثيراً لو أنَّني استطعتُ أن أكون شاهدةً على العصر الذي يمرّون به وأن أنقله إليهم، وأدركُ أنّنا لا نستطيع القول بأنَّنا تعلمنا دروساً من الماضي حينما ننظر إلى تاريخ الإنسانية. ومع ذلك أتمنّى أن أكون قد عكستُ لهم ما يجري في أيامنا هذه بأفضل طريقة ممكنة، وأن أكون قد ساهمتُ معهم في العمل لصالح الخير والإنسانية والعدل والرحمة ولو بشكلٍ بسيط.


■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟

- أودُّ أن أقول إنّني قريبتهم. كأبناء جغرافية واحدة، نحن متشابهون حتى لو لم نولَد جنباً إلى جنب. نمر بأفراحٍ وأتراحٍ متشابهة. أتابع من كثب الأدب والثقافة والشعر العربي بفضل زوجي محمد حقي سوتشين الذي قام بترجمات رائعة في مجال الأدب العربي، هؤلاء الشعراء الكبار الذين كتبوا قصائد المعلَّقات السبع، والمتنبّي، والمعرّي، ونزار قباني، وأدونيس، ومحمود درويش وغيرهم الكثير ممّن لا أستطيع كتابة أسمائهم لضيق المساحة، لدرجة أنّني كتبتُ قصيدة "المعلّقة الثامنة" بالتركية، وأتمنّى أن تجمعنا هذه الأبيات شعراً ومحبّة وصداقة.



بطاقة

Elçin Sevgi Suçin شاعرة تركية وُلدت في مدينة دينزلي جنوب غربي تركيا، وتخرّجت من قسم العلاقات الدولية في "جامعة غازي" بأنقرة. من أعمالها الشعرية: "قصائد للكبار، حيوات ساحرة" (2012) و"لم يبق شيء نتذكّره سوى الحب والحرب" (2015)، و"المنطقة 51" (2024). تُقارب صوتشين في شعرها موضوعات عديدة من الحياة المعاصرة، مُنطلقةً من التساؤلات البسيطة حول الحبّ والعيش وصولاً إلى معنى الوجود وتشابُكاته.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون