قيمة الكلمة

08 اغسطس 2024
تمثال حديدي يحمل حمامة صُنه من حطام انفجار مرفأ بيروت، 29 آب/ أغسطس 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في 4 أغسطس 2020، انفجار مرفأ بيروت دمر العاصمة، شرد 300 ألف شخص، وأدى لمقتل 200 وإصابة 6000.
- في 27 يوليو 2024، صاروخ سقط في مجدل شمس بالجولان، قتل 12 شاباً درزياً، واتهمت "إسرائيل" حزب الله، لكن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط رفض الاتهام.
- بعد ثلاثة أيام، "إسرائيل" قصفت مبنى في بيروت، قتلت قائد حزب الله فؤاد شكر و4 مدنيين، مبررة أفعالها بالدفاع عن النفس، مما زاد التوتر في المنطقة.

لم يكن الدخان قد بدأ بالانقشاع عن ضواحي بيروت، حتى سارعت "إسرائيل" إلى نفي أي علاقة لها بالمأساة: الانفجار الثالث الأقوى في التاريخ، بعد قنبلتي هيروشيما وناكازاكي. تسبّبت موجة صدمة الانفجار، الذي دمّر العاصمة اللبنانية في الرابع من آب/ أغسطس 2020، وشرّد ما يقارب 300 ألف شخصٍ، بأضرار على بعد سبع كيلومترات من موقع الانفجار في مرفأ بيروت. 

إلى جانب المئتي قتيلٍ، يجب أن نضيف ستة آلاف جريح، إضافة إلى كثيرين لم يتعافوا أبدا لشدة إصاباتهم، ناهيك عن أولئك الذي كانوا يعملون في مرافق الميناء، ولم تذكر أسماؤهم من إثيوبيين وسودانيين وسوريين ومهاجرين تجاهلتهم القوائم. سرعان ما اعتذرت "إسرائيل" عمّا لم تسأل عنه، بينما كان المواطنون اللبنانيون منشغلين بمساعدة ضحايا المأساة، في خضم الوباء، وقد دُمرت العديد من المستشفيات بسبب الانفجار. الاعتذار عن شيء لم تقم به، يدينك. 

بعد مرور أربع سنوات، وتحديداً في السابع والعشرين من تموز/ يوليو 2024، سقط صاروخ في أحد الحقول في بلدة مجدل شمس في مرتفعات الجولان السورية التي تحتلها "إسرائيل" منذ عام 1967. أدى ذلك إلى مقتل اثني عشر شاباً درزياً. ما إن مرت لحظات، حتى سارعت "إسرائيل" إلى اتهام حزب الله بأنه منفّذ العملية. أكد نتنياهو ذلك بقوله: "سيدفع حزب الله ثمناً باهظاً لهذا الهجوم، وهو الثمن الذي لم يدفعه حتى الآن". قال نتنياهو ذلك، وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل وقت قصير من ذلك قد قصف مدرسة في غزّة، وقتلَ ما يقارب 30 شخصاً. 

وبطبيعة الحال، لا يمكن أن يكون الاتهام الإسرائيلي منطقيّاً. أولاً، بسبب الهدف، وقرب الجوار بين الشيعة والدروز؛ وثانياً، لأنه لو كان حزب الله المسؤول عن ذلك، لتحمّل المسؤولية واعترف بالأمر، كما فعل في مناسبات أخرى. 

هل هو "حقهم" بـ"الدفاع عن أنفسهم" الذي تشجّعه أميركا؟

يقدّر عدد الدروز في لبنان بمئات الآلاف تقريباً. وزعيهم وليد جنبلاط سرعان ما وصف اتهامات "إسرائيل" بأنّها "أكاذيب"، في مقابلة تلفزيونية، قائلاً: "مجدل شمس عربية وغالبية أهل الجولان هم عرب رفضوا الجنسية الإسرائيلية". أمّا عن حديثه مع الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، فقال جنبلاط: "بالأمس اتصل هوكشتاين وحذّر من عملية، فقلت له الأفضل أن تواظب على تسيير وقف إطلاق النار من أن تنقل رسالة تهديد من إسرائيل"؟

زاد من رد الفعل القوي للزعيم الدرزي تصريحات صحافية لجنود وتفاصيل حول خصائص السلاح الذي أصاب قرية مجدل شمس، حيث كان الأطفال والمراهقون يمارسون الرياضة. وهكذا تعززت النظرية القائلة بأن المأساة كان سببها خطأ في الصواريخ الدفاعية الإسرائيلية، ولا سيّما أنه إخفاق آخر من إخفاقات منظومة القبة الحديدة، خصوصاً في الأشهر الأخيرة. 

وعلى الرغم من الأدلة، قرّرت "إسرائيل" تجاهل بيان حزب الله، وفعلت ذلك العديد من وسائل الإعلام في أوروبا وأميركا، واحتفظت بسردية الصهاينة في عناوينها الرئيسية. بعد ثلاثة أيام قصفت "إسرائيل" مبنى سكنيّاً في قلب بيروت. وكان الهدف قائد حزب الله فؤاد شكر، لكن العملية التي قُتل فيها شكر، أودت أيضاً بحياة امرأتين وطفلين، بالإضافة إلى 74 جريحاً. وكلنا رأينا صورة أميرة وحسن فضل الله وهما يتعانقان تحت الأنقاض. 

بالنسبة لـ"إسرائيل"، تبدو هذه الأضرار بمثابة "أضرار جانبية"، على غرار عشرات الآلاف من الضحايا المدنيّين في غزّة، الذين لا نعرف أسماءهم، وأولئك الذين لقوا حتفهم في قصف المدارس والمستشفيات، وما يقرب من 100 ألف نازحٍ في جنوب لبنان. هل هذا كله ردٌ على "هجوم إرهابي"؟ أم هو "حقهم" في "الدفاع عن أنفسهم" الذي تشجعه الولايات المتحدة؟

بعد أربع سنوات من الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، تعاني العاصمة اللبنانية مرّة أخرى من العدوان، وتعيش، مثل البلد بأكمله، تحت تهديد أولئك الذين نصّبوا أنفسهم قاضياً وطرفاً بتلك "الغطرسة اللامحدودة" التي يتصفون بها، معتبرين أنفسهم أصحاب السلطة والكلمة. 

* شاعرة وكاتبة إسبانية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون