قصائد من الهند إلى غزّة

21 اغسطس 2024
سابيثا ساتشي
+ الخط -
اظهر الملخص
- **خرائط النجاة (إلى غزة، 2014)**: تتناول معاناة سكان غزة تحت الحصار والاحتلال، وتصف الأنفاق كوسيلة للهروب والبحث عن الأمان، مع إبراز رمزية الخبز وأشجار الزيتون كأدوات للصمود.

- **هرباً إلى مصر**: تصف رحلة الهروب من غزة إلى مصر، مع التركيز على معاناة الأم وطفلها الجديد في مواجهة الصحراء والعطش والخوف، وتعبر عن الحزن العميق والمستقبل المليء بالأحزان.

- **حجارة**: تتناول رمزية الحجارة كأداة للمقاومة والاحتجاج، وتصف الحجارة التذكارية التي ترمز إلى الإنسانية المفقودة والأحلام المحطمة، مع الإشارة إلى الرموز الثقافية والدينية والأوقات الضائعة.

خرائط النجاة 
(إلى غزة، 2014)


قُل لي الإحداثيات المكانيَّة للشريط الأرضي 
هل تظلُّ اتجاهات حدوده سائلة، هل تستحيل
الجدرانُ أنفاقاً وتصنع خريطةً أُخرى تمتد 
من دون أن تخضع إلى مسح، تقاطعٌ صاروخيٌّ من
الدروب البريّة المتقاطعة التي تهرب من الجوع اللانهائي
تحت سماء صهيون المترامية؟ أخبِرني عن أنفاق المنفى
حيث تضمن بضعةُ أرغفةِ خبز أو شريط
طاولاتٍ أو لُفافةُ ضماداتٍ نجاةَ البعض
لكي يرووا حكاية الشريط الذي تتقلَّص حدوده
باستمرار، والذي يستمرّون بالنجاة داخله، ولكن من دون 
أن يُعلِموا رسّامي الخرائط بأنَّ الشريطَ مكانٌ 
العيشُ فيه مقاومة، والخبز فيه  
تحدٍّ، وأشجار الزيتون احتجاجاتٌ على الحدود. 

تعالوا وشاهدوا هذا الشريط الأرضي، حيث أنقاضُ مقابر
أطفالنا تُشكِّل مقبرة رماديَّة البَياض، تُذكِّرك بأن الشريط 
ليس أرضاً محصورة، لا تحتويه أشعَّة الموت
من سماء صهيون، ليس رثاءً يقف عند الحدود. 

إنما هو إصبعٌ فقيرةٌ جائعة
يرفعها طفلٌ جالس
على كرسي مكسور في باحةِ    
مدرسته التي تعرَّضت للقصف
تُشير إلى العالم 
وتتحدّاه أنْ ينسى. 


■■■


هرباً إلى مصر


لا نتلكّأ على رمال الصحراء
الغدّارة التي تدوّمُ حولنا
ونحن نسعى قدماً نحو أرض المنفيين – 
الحِمار مُثقَل بانتفاخات حديثة
ومولودنا الجديد ينوح إلى الأبد
على صدري المنتفخ فوق بطني المتألِّم
وزوجي الأكثر سذاجةً من أنْ
يؤمن بتلك الأحلام الملائكية. 

العطش يُخلِّل حناجرنا كالصبّار
يضيِّق خناقه علينا، بكثافة ومكر
والريح الباردة تشقُّنا، 
ذيلُ عقربٍ يعدو في ضوء القمر. 
قروح ولادتي تنبض مثل دقّات قلبِ 
طفلي الأعزل الذي لا ينفك يحلم 
بالمنِّ والعسل ورائحة المُرّ. 
ماذا يعرف الحكماء عن أسى الأم؟ 

تسرَّبت الأخبار إلى الكهف مثل قطرات من دَلاةِ جليد 
عن الأطفال الذين ذُبحوا بسخط في أماكنهم 
عن ابني الذي لا يعرف، ذرفتُ دموعاً قاسية
لا تذرفها إلا أمٌّ يافعة – عن الندم وتحقُّق الراحة. 
رَحِم راحيل ينوح في نومي لأنهم ما عادوا كذلك
والكهف البارد يُجهدني من رعشات الذعر والفزع.
حتى أحلامي ترتطم بالحوافر التي لا تني 
مُنذرة بمجيء هيرودس المتزعزع الذي لَم يُحرَم من وريث. 


هكذا، أيها الأعزاء، تعلَّمت أن أُهيِّئ قلبي
فقد عرفت أن الحزن تلو الحزن سيأتي في أعقاب هذا الطفل
الذي يتبعُنا من الجليل إلى القدس والناصرة
لكي أُهَدهِدَ جسمه المكدوم في حضني الفارغ. 


■■■

حجارة

الحجَرة الأولى
ضد العسكريّ الذي صوَّب 
فوَّهة بندقيَّته على الولد البالغ أحد عشر عاماً. 
الحجَرة الثانية 
على جبهة الضابط الذي يرتدي الكاكي
الذي اغتصب نيلوفر الشابَّة في البيت المجاور. 
الحجَرة الثالثة
على الشرطي الذي استجوب 
ذُلَّ أبي الرّاكِع بأعوامه السَّبعين.
الحجَرة الرابعة
على حلق مذيع التلفاز بصوته الحاد
الذي وصفَ أشجار الدُلَّب الشاهقة بالإرهابيين. 

التالية
حجرةٌ تذكارية عند شاهِدة قبرِ
الإنسانيّات، التي تنزُّ زُرقةً، شيئاً
فشيئاً، على صحن العدس المُجمَّد. 
ثم حجَرةٌ 
لشفوفيَّةِ الكشميريّاتِ التي لا تَطرِف،
التي تتلألأ مثل الزجاج في أحلام فَيض أحمد فيض الهشَّة.  
ثم أُخرى
لقيامةِ الدوّامات الدائمةِ
لأثواب الدراويش الصوفيين البيضاء. 

واحدة
لفناجين القهوة والزعفران، التي تُرشَف
جلوساً على السجادة مع الصديق السِّردار
وواحدة
لبُرج المعبد شَبَهِ الأنف الحاد، الذي يهرع 
كل ليلة باتجاههما، مثل مرثيَّة مستعجلة. 
واحدة
للحدائق عديدة الألوان، التي تعوم مثل غيومٍ
على مياه البُحيرَة المُنهَكة. 
واحدة
لجميع الرسائل الناقصة في جميع صناديق البريد
في بلاد شاهد علي التي تخلو من مكاتب البريد.  
واحدة 
لأغنية العاشقة المُبعَدة 
في يد هَبة خاتون، الرّاضِخة لشهوة الكلمات. 
واحدة 
للسموات الزرقاء اللانهائية فوق جبل كايلاش
حيث تؤدي لالّا رقصة شيفا بجنون. 

الحجَرةُ المئة وسبع وعشرون 
للأوقات الضائعة لجميع الطُفولات التي لَم تحدث قط

للوقت. 


■■■

لا! لا تذهبي إلى هناك 
(بعد الهجمات الإرهابية في فرنسا، 2015)

لا! لا تذهبي إلى هناك. 
بندول ساعة البازيليكا
قنبلةٌ ستنفجر حالما تدوسينَ
درَجاتِ برج الجرَس المُحدَودبة،
التي تصعد مُتعرِّجةً إلى السماءِ
التي تقطعها مُسيَّراتٌ فوق بيروت
وحلب وبغداد، مدنُ 
الأحلامِ والخيالات المحمومة، الآن
لكنَّ صرخات رأسِ يوحنا المعمداني 
على طبق تغطّيه آلامُ 
المُرتدِّين والكفَرة. 

لا! لا تذهبي إلى هناك. 
حذاء الطفلة اللاجئة ملطَّخ 
بمياه المحيط المالحة والخطيرة التي 
حاولت عبورها، لكي تجد وطناً في مكان آخر
حيث لا توجد حرب، بينما هم يلعبون 
 ألعابهم الحربيَّة خارج حدودهم، 
ويكبسون أزراراً تقتل 
وتحرق وتدمِّر وتقصف وتقتل 
إلى أن تصل الحرب، بتلكُّؤ، إلى مقاهيهم 
وتستحيل مباراة القدم دمويَّة، وتتوقف
الموسيقى عن عزف أنغام الحرية والإخاء. 

لم تكن هناك أخوَّة بأي حال، ولا حتى 
تظاهر بمحبَّة الجيران، ليس إلّا قتلُ 
متعة اللعب والرياضة في مدارسِ
كابول وغزة والقاهرة والقدس

حيث كلُّ عشاء قد يكون العشاء الأخير
حيث كلُّ شمعة تُضاء للموتى 
حيث كلُّ صلاةٍ هي صرخةٌ للأحياء
حيث كلُّ وترٍ يُدَوزن لعزف قُدّاس 

حيث كلُّ قولٍ هو احتجاجٌ وشِعر
لحكمت ودرويش وفَيض ومير. 

لا تذهبي إلى هناك. 


* ترجمة عن الإنكليزية: أنس طريف


بطاقة 

Sabitha Satchi شاعرة من مواليد كيرلا، الهند. درست في كيرلا ودلهي ولندن، ودرَّست اللغة الإنكليزية في جامعة دلهي لخمس عشرة سنة. نُشرت قصائدها في عدد من الأنطولوجيات الشعرية، من بينها "الغناء في الظلام" (دار بنغوين راندوم هاوس، 2021)، و"ديوان بنغوين للشعر الهندي المعاصر" (دار بنغوين، 2021)، كما تُرجمت إلى عدد من اللغات العالمية. نالت منحاً وزمالات وجوائز، من بينها جائزة فيلوبّيلي سريرخا للشعر المكتوب بالماليبارية (حيث تكتب باللغتَين الإنكليزية والماليبارية). القصائد التالية من مجموعتها الشعرية الأخيرة بالإنكليزية التي تحمل عنوان: "الآخرة". 

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون