في مآلات الكاريكاتير العربي

31 ديسمبر 2020
كاريكاتير من القرن الثامن عشر (Getty)
+ الخط -

قبل عقدين من الزمن تقريباً، لما كنّا نمسك بالصحف، وبعد قراءة المانشيت، كنا نبدأ بتصفحها ابتداءً من الصفحة الأخيرة، حيث يأخذ عادة الرسم الساخر أو الكاريكاتير، محور اهتمامنا آنذاك، حيزاً واسعاً في أعلى الصفحة. وهكذا حفظنا أسماء رسامي الصحف السورية المحلية كعلي فرزات وحميد قاروط وعبد الهادي الشماع. وهذا الأمر كان يسري أيضاً على بضع صحف ومجلات كانت ترد من الخارج، فتابعنا الراحل الفلسطيني ناجي العلي مثلاً واللبنانييْن حبيب وستافرو..

تبدلت الأمور كثيراً، وخسرنا عادة محبّبة وهي متعة شراء صحيفة صباحاً وقراءتها في المنزل أو في الأمكنة العامة. وصارت الأخبار ترد على شاشاتنا المختلفة من كلّ حدب وموقع، وتعرفنا بالتالي على رسامي كاريكاتير جدد، متنوّعي الأساليب والشخصيات. أما مؤخراً، فقد أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي الفرصة للجميع لنشر رسوماتهم، من هواة ومحترفين، ومن دون رقابة، لا فكرية ولا فنية.

وهذا في الحقيقة ما دعانا للكتابة وإيراد بعض الملاحظات في نوع من الفن، متابَع من عامة الجماهير، له حساسيته وتأثيره المباشر عليها.


■ ■ ■


عَرفَ فن الكاريكاتير انتشاراً واسعاً مع ظهور المطبوعات، ليصبح أحد أبوابها الأساسية، فلا تخلو صحيفة أو مجلة من رسم أو أكثر. وهو بشكل عام، فن يحتاج من الناحية التقنية إلى مهارة في الرسم والإخراج الفني، وحالياً يمكن إضافة المعرفة بالبرامج الغرافيكية وبرامج معالجة الصور في الكومبيوتر. كذلك، في حال رسم الوجوه والشخصيات، نحتاج إلى عين قادرة على التقاط النقاط المختلفة أو المميزة للوجه والتأكيد عليها أو المبالغة في إظهارها. 

أما على صعيد الأفكار، فنحن نعتقد أن رسام الكاريكاتير هو صاحب رأي يقدمه من خلال الرسم، ككاتب مقال الرأي السياسي أو الاجتماعي، فيُفترض فيه أن يكون من ذوي الثقافة الواسعة المتشعبة، متابعا للأحداث العامة. 

وبالإضافة إلى هذا كلّه، هو موهبة إخراج الرسم، وهنا لا نتكلم عن الناحية التقنية، بل عن شخصية الفنان الطريفة، اللماحة، حاضرة البديهة في التقاط الأخطاء والمفارقات من حولنا وإعادة تصديرها على الورق، أو على الشاشة، بطريقة جدّية مختصرة مبتكرة وأيضاً ذكية، لا تخلو أحياناً من الظرافة. فهل هذه الشروط في أدنى مستوياتها متوفرة في الرسامين ممن تُعهد إليهم مهمّة الرسم اليومي في الصحف والمواقع المختلفة؟


■ ■ ■ 


إن الكم الهائل من الغثاثة التي يتحفنا بها رسامون محترفون نتابعهم هنا وهناك، (وأغلبهم من أبناء منطقتنا، وأقصد فلسطين لبنان سورية) يجعلنا نتساءل، والسؤال موجّه هنا لمن ينشرون لهم قبل أن يكون للرسامين أنفسهم، هل هم مجبورون على نشر رسْم يومياً؟ أليس من الأفضل تحرير الرسامين من هذا الالتزام اليومي المضني لكثيرين؟ ألا يقع، حتى الأكثر موهبة وذكاءً، في فخّ تكرار الأفكار واجترارها؟

ومن المؤسف، أننا قد لاحظنا أن أحد الرسامين المعروفين مثلاً يعيد أحياناً ما سبق وقدمه قبل سنوات مع تبديل التسميات فقط على صفحته في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ونتساءل هنا هل نضبت الأفكار ويريد اللحاق بسوق "اللايكات" بأي طريقة؟

وسؤال آخر نطرحه عن جدوى أو معنى رسم الكاريكاتير الذي يعتمد الحوار أو الكتابة. لقد كان ناجي العلي على سبيل المثال يكتب كثيراً في رسوماته، لكن بمراجعة بسيطة لأعماله نجد فيها فكراً جاداً وعميقاً (الأمر الذي أدى لاحقاً إلى اغتياله)، لا حواراً كوميديا يمكننا كتابته أحياناً كمنشور في صفحات التواصل الاجتماعي من دون الحاجة إلى رسم، (أو ربما يمكننا تشكيله بالاستعانة بصور من النت بدل أن نجهد أنفسنا بالرسم). يمكننا القول إن ناجي العلي قد خلق عالمه الفني الخاص، ونقصد هنا بالعالم درجة أعلى من الأسلوب، فماذا عن عالم هؤلاء؟

أعتقد أنه من الأفضل هنا التحول إلى الكوميكس الذي يحمل قصة قصيرة كانت أم طويلة.

في النهاية، نقول إن بعض الرسامين ربما لا يميزون ما بين هذا الفن الساخر العميق وما بين السماجة أو السخرية المجانية من الأشخاص (أو بالعامية المسخرة من/ على الآخرين) مما نسمعه في الشارع أو في جلسات النميمة. وربما هذا يصب في خانة التحرّش أكثر مما يصب في خانة فن نتابعه في أماكن يُفترض أنها جادة رصينة. والمصيبة عندما لا يدرك المحترف أنه يبتذل أو يهرج مجاناً، كذلك عندما لا يدرك من وظّفه أنه محدود الذكاء والخيال فيترك له المنبر حراً. أما المصيبة "التواصلية الاجتماعية" فهي تتمثل في نشر وإعادة نشر هذه الأعمال ومشاركتها فتساهم في تكريس الانحدار.

ليس من مهمة أو من أهداف الكاريكاتير الأساسية إضحاكنا، ولكن البعض يصرّ على هذا، مع الأخذ بعين الاعتبار أننا لا نضحك بسبب المنجز الفني.


* فنان تشكيلي سوري مقيم في ألمانيا

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون