صوت جديد: مع محمود عادل طه

24 ديسمبر 2024
محمود عادل طه
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعبر الكاتب المصري عن قلقه تجاه العدوان على غزة، مشيرًا إلى أن الأجيال ترث الصراعات دون خيار في تغيير مصيرها، ويعكس ذلك في شخصيات رواياته.
- يؤكد الكاتب على أهمية الأمانة في الكتابة، بعيدًا عن الرمزية الغامضة، ويشدد على ضرورة أن تكون الكتابة مرضية للكاتب قبل الجمهور، منتقدًا الاتجاهات الحديثة التي تركز على الفانتازيا.
- يصف الكاتب علاقته بالثقافة المصرية بأنها متجذرة، ويقرأ من مجالات متنوعة، ويعمل على مشاريع جديدة، معربًا عن رغبته في ترجمة أعماله لجمهور أوسع.

تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "أن تكون الكتابة جديدة يعني أن تكون جيّدة في ذاتها قبل أن تفي أو لا تفي بذائقة الجمهور وحسابات السوق"، يقول الكاتب المصري لـ "العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- أشعر بالأسى تُجاه ما يُراق من دماء كثير من الضحايا الأبرياء جرّاء هذا العدوان. يؤرّقني واقع أنّنا بطبيعة الحال لسنا أوّل لبنة تُوضَعُ في نَظْم حكاياتنا، بل إنّنا نولد لنتأقلم مع ما آلت إليه الأوضاع قبل ميلادنا سلفاً. كما وُلد بطل روايتي قاسم بن يونس في الفصل السابع عشر من روايتي. إنّنا نرث عن آبائنا الهزائم والانكسارات كما نرث عنهم الانتصار والبطولات، وفي حال الفلسطينيّين بالقطاع، فقمّة المأساة الإنسانية تتمثّل في أن تُطوى حيواتنا قبل أن يقدّر لنا الخيار لإنقاذها، أو الدفع بها بقرار طوعي جهة الصدام والمواجهة. أن يتوسّد مدنيٌّ أعزل الصخر في العراء، فيصير في لحظة مفترشاً اللحد ومتلحّفاً الثرى.


■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟

- الكتابة هي الكتابة، جديدة أم قديمة. والكتابة الجيّدة، في نظري، هي التي تتحرّى أمانتَي التناول والطرح؛ فتنسج شخصياتها وأحداثها ممنطَقة ومفسَّرة. لا يجب أن يكون المعنى في بطن الكاتب فيغرق في رمزية لا تُفهَم، أو يميل لانتقاء الغريب من الألفاظ والعناوين لأعماله في سبيل جذب ضعاف العقول من القرّاء. أن تكون الكتابة جديدة يعني أن تكون جيّدة في ذاتها ومُرضية لكاتبها قبل أن تفي أو لا تفي بذائقة الجمهور وحسابات السوق، وعلى الكاتب أن يحرص في معالجته النصّ على ألّا يخلّف قيمة سلبية في ذهن القارئ؛ كأن يُنهي الأخير نصّاً عن الجريمة وقد أُغرم بها وبمرتكبها.


■ هل تشعر نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟

- بصورة عامّة، يمكن أن أكون جزءاً من الجيل الشبابي الحالي، بحسب مرحلتي العمرية، وإن كنتُ لا أستسيغ الكثير ممّا أقرأ، وأميل للتهرّب من الأعمال المعاصرة تجاه أعمال أُخرى أكثر قِدماً وكلاسيكية؛ ففي الجيل الحالي ستجد ميلاً نحو التغريب في العناوين والمضامين، والاعتماد على اتجاهات في الكتابة هي الأكثر رواجاً عن غيرها، كالفانتازيا وأدب الرعب لأعمال جلّها يخرج في عجلٍ ومن دون تدقيق. أقول إنّه لا ضير في كلا التصنيفين، لكن ليس على حساب الرواية الاجتماعية التي ما زلتُ أعتبرها هي الأصل في فنّ الرواية، بما تتضمّن من علاقات إنسانية؛ ولربّما أنّ ذلك يحدث بدافع من التهرّب من حاضر خانق بمنطقتنا وأحوال معيشية ضاغطة.

كثيراً ما أهرب من الكتابات المُعاصرة إلى أعمال كلاسيكية

■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟

- كنتُ دائماً ما أميل لمجالسة كبار السنّ، فأولئك هم حفظة الماضي، والماضي هو جلّ ما آنس به - دون انعزال بالطبع عن الحاضر - ويثير ملاحظتي. ما استبقته الأجيال السابقة من مهارات اجتماعية، وقدرة على إدارة الحوار وتجاذب أطراف الحديث، بأفضل ممّا آلت إليه أجيالنا المختبئة في أغلب حواراتها خلف شاشات الهواتف الذكيّة، وقد ضمرت قدراتنا الاجتماعية إلى حدودها الدنيا بدفعٍ من تكنولوجيات العزلة التي نحسن التعامل معها، أو تحسن هي التعامل معنا. أمّا تلك القدرة الاجتماعية فهي ما حفّزت الأجيال السابقة من الكتّاب للإتيان بلآلئ الأدب الكلاسيكي؛ فرواياتهم انعكاس لمجتمع يتفاعلون مع واقعه بأفضل ممّا نتفاعل.


■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟

- لم أكوّن بعدُ علاقات تُذكر مع شخصيات الفكر والثقافة في مصر، وإن كان التحامي بالثقافة المصرية هو أمر سابقٌ على تلك العلاقة المستقبلية، فثقافتي وليدة بيئتي، بأمكنتها وتاريخها وإرثها الحضاري الممتدّ منذ عدّة ألفيات وحتى وقتنا هذا، وبيئتنا هي ما أستلهم منه كتابتي الإبداعية بشقّيها القديم والحديث؛ فمصر هي المحروسة، هي أرض القاضي وبيته الكبير، وهي موضع نضال قاسم ومنشأ فكر يونس، ومرآةٌ صادقةٌ تعكس مجريات الأحداث المحتدمة في الشرق الصغير، بل في العالم الكبير كلّه.


■ كيف صدر كتابك الأوّل وكم كان عمرك؟

- صدر كتابي الأول منذ عامين، وكنت قد جاوزت لتوّي الثامنة والعشرين من العمر، قصدت دار النشر بنموذجٍ أوّلي لروايتي "بيت القاضي- مسيرة قاسم بن يونس"، وكنتُ قد حضّرت مسوّدة لذلك العمل الذي وصل فيما بعد إلى القائمتين: القصيرة لـ"جائزة نجيب محفوظ" هذا العام، والطويلة لـ"جائزة الشيخ زايد" 2024-2025، وأبدى المسؤولون بدار النشر استعداداً لتبنّي العمل الذي شرعت بالكتابة فيه في سنواتي الأخيرة بالجامعة قبل أعوام من نشره.


■ أين تنشر؟

- أنشر لدى "دار بيت الياسمين" التي أسّسها الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، حيث صدر عنها عملي الأوّل، وسيصدر لي عنها قريباً عملٌ آخر. كما صدرت لي هذا العام رواية بعنوان "نثريات على هامش الموت.. مأساة مختار عبد الحي" عن "دار تنوين".


■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟

- كما قال لي أبي: اقرأ في كلّ شيء، وعن كلّ شيء، وكلّما أمكن. لعلّه تأثّر بمقولة للشاعر نجيب سرور: "فقرأتُ ما ألقت به الأيام بين يديّ"، وذلك حثّاً على أن تصدر كلّ كلمة من فيّ موثّقةً معلومة المصدر، وهو ما لم أستطع الالتزام به كلّياً للأسف، وإن كنت ألتزم منهجاً محدّداً في القراءة أحيد عنه من الفينة للأُخرى بقراءة عشوائية يقترحها صديق. منهجي هو أن أقرأ ما أستطيع توظيفه في إضافة قيمةٍ لي أو لمشروعي الأدبي. تتنوّع قراءاتي ما بين علم المصريات، والتاريخ المصري الوسيط والمعاصر، والفلسفة الدينية، والترجمات لأعمال الأدب العالمية، وروايات الجيلين السابق والحالي من المصريّين.


■ هل تقرأ بلغة أُخرى إلى جانب العربية؟

- أقرأ بالإنكليزية إلى جانب العربية، وأوّل ما قرأت بالإنكليزية هي "حكاية مدينتين" لتشارلز ديكنز.


■ كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تُتَرَجم أعمالُك؟

- الترجمة تُكسب العمل القدرة على التحليق في أفق أوسع يخترق فيه قاعدة جماهيرية جديدة، وهي ضرورة يحتّمها عصرنا على الأعمال الجادّة، رغم صعوبة فعل الترجمة، خاصّة من أعمال تعتمد في جزء من قوّتها على زخم الحوار الزاخر بالألفاظ التراثية المستقاة من البيئة، كرواية "بيت القاضي"، وهو تحدّ لا يغفله مترجم جيّد، وتخوّف يؤرّق أيّ كاتب حريص على إيصال عمله بما لا ينحرف عن طبيعة العمل الأصلي.


■ ماذا تكتب الآن وما هو إصدارك القادم؟

- أتابع الآن كتابة عدد من المشاريع كنت قد شرعت في وقت سابق في العمل عليها، وهو شأن لي غريبٌ في الكتابة، حيث تلح عليّ فكرة ما؛ فأسجّلها باعتبارها مشروعاً منفصلاً، وأدعها إلى ما شاء الله، ثمّ أعود حين تختمر في ذهني بأبطالها وأحداثها، لأستأنف كتابتها. وقد أترك عملاً لبرهة من الوقت لأعود إليه حين تلمع بارقة في مخيّلتي تجاهه. أمّا العمل القادم المتوقّع صدوره عن "بيت الياسمين"؛ فهو رواية فلسفية اجتماعية، تؤكّد أهمية قيمة التعايش داخل المجتمع بمختلف طوائفه ومكوّناته، وأنا في مراحل إنهاء مسوّدته، وإن حالفني الحظّ، فسيكون حاضراً في "معرض القاهرة الدولي للكتاب" القادم جنباً إلى جنب مع رواية "بيت القاضي".


بطاقة

كاتب مصري من مواليد الدقهلية عام 1994، حاصل على البكالوريوس في هندسة الاتصالات والإلكترونيات بكليّة الهندسة في "جامعة المنصورة". صدرت له روايتان: "بيت القاضي.. مسيرة قاسم بن يونس" (2023)، و"نثريات على هامش الموت: مأساة مختار عبد الحي" (2024).
 

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون