صباح وحيد في سانت نيكولاس

10 أكتوبر 2022
سلوى روضة شقير/ لبنان
+ الخط -

كلّ صباح هو هدية جديدة من الطبيعة لي. الغيوم هنا تمشي على أسقف المنازل. السماء أقرب من سماء بلادنا، والمجتمع طيّب، وديناميكي، منشغل بأمره.

ماذا يريد شاعر بلغ أرذل الشعر، أكثر من ذلك؟ لا عين جار تتبعك ولا قلب في المحيط منتبه لك. إنه تمام النعمة، بعد عمر الستّين. أنزاح عن فرجة الشبّاك في المصحّة، وقد شبعت من مراقبة حركة السحب في الفضاء، وأفكّر: باق لنا، بعد هذا الخميس، صباح وحيد في مدينة سانت نيكولاس. بعده، ستكون العودة إلى تيسندرلو، وغاباتها، دون رجعة، سوى للمراجعة عند المختصّ النفسي، لمرّتين فقط، هو يحدّد تاريخهما، حسب معطيات الملفّ.

الحمد لله. ثمانية شهور بكاملها أمضيناها هنا، على فترتين. الأولى ثلاثة شهور مع الزميلين جمعة ميم وعبد الرحمن سين، وهذه الأخيرة التي امتدّت خمسة شهور كاملة، مع حوالي عشرة أو أكثر من الزملاء النزلاء. رأينا خلالهما دم الرفاق ينفسح، على أهون سبب، في غير محاولة انتحار. ورأينا غير مرّة سيّارة الإسعاف تأتي لتنقذ مرضى ضاق بهم الانتظار وضاق عليهم الفضاء البلجيكي بما وسع.

ثمانية شهور، تبدّلت خلالها الأسستنات، فمَرّ علينا ما لا يقلّ عن 15 أسستن. وتعاملنا معهنّ بكلّ تقدير وامتنان. لأنهنّ هنّ أيضًا هدايا ثمينة من الطبيعة. فما أجمل صباحك حين تدقّ الباب عليك شابة لطيفة أنيقة وتقول: خيومورغن. إنه أجمل افتتاح للصباح. وكل ما لا يؤنَّث لا يُعوَّل عليه.

وهنا أيضًا، كتبنا كلّ ما كتبنا من شعر، بإلهام من غرفة التدخين. والحق أنّ حكاية هذه الغرفة، في آخر الممر، حكاية. أبداً لم نكتب قصيدة واحدة في الغرفة رقم 2 حيث ننام. كلّ مرّة نكتب القصيدة هناك، وعلى الأغلب، بل دائمًا، في الصباحات المبكرة. لم؟ لا نعرف والله. ولكن هذا هو الحادث.

قصائد من وحي المكان والساعة والمزاج. قصائد سنحتاج لوقت كي نراجعها وننتهي منها. ربما قصائد تغلب عليها الأفكار؟ ليكن. فهذا أيضًا شأنٌ مطلوب.

أمّا بعد: سيعزّ علينا مفارقة هذه المدينة الصغيرة الوادعة، المحاذي ريفُها لقلبِها والله. لقد أحببناها من القلب. إنها لا تشبه بروكسل ولا أنتويرب. وهذا سرّها. كما أن اللاجئين هنا يشكّلون ربما نسبة أكبر من سكّانها، كما نرى. وهذا أيضًا يجعلك تألفها بسرعة. أفارقة، أتراك وأفغان وباكستان ومغاربة ومن كلّ فجٍّ عميق.

خطوات من مركزها وتكون في ريفها البديع. و15 كيلو مترًا تمشيها على القدمين أو على درّاجة، وتدخل حدود هولندا.

مدينة تُحبّ، ولو كان الودّ ودّي لوددت السكن فيها بعد الحصول على ورق. اللهم يسِّرْ وأعِنْ. أعِن ويسِّرْ يا كريم. 


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون