سانتياغو ألبا ريكو: صوت طفل فلسطيني

سانتياغو ألبا ريكو: صوت طفل فلسطيني

10 نوفمبر 2023
دميةٌ وسط الأنقاض في غزّة، 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 (Getty)
+ الخط -

يُعتبر سانتياغو ألبا ريكو من الأصوات المرجعيّة في السياسة والفكر النقدي والفلسفة، خصوصاً لدى اليسار الإسباني، وهو أحد أبرز العارفين بالقضايا والتاريخ العربيَّين في إسبانيا. انتقل للعيش في القاهرة سنة 1991، ومنذ عام 1998 يعيش في تونس. له إسهامات في ميدان الترجمة، إذ نقل إلى الإسبانية أعمال الشاعر المصري نجيب سرور، وبعض أعمال القاصّ والروائي العراقي محمد خضير.

ورغم أهمية صوته، لم يُترجَم من أعمال ألبا ريكو إلى اللغة العربية، على حدّ علمنا، سوى بعض المقالات الصحافية. وهذا، بدوره، يطرح سؤالاً عن معايير اختيار الأعمال والأسماء التي نترجمها إلى اللغة العربية وأهميتها. ولعلّنا لا نبالغ إن قلنا إنَّ الكاتب الإسباني ينبغي أن يُترجَم ويُقرأ بالعربية أيضاً لأهمية منتجه الفكري ومواقفه الإنسانية تجاه القضايا العادلة في العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي يعتبرها، بغضّ النظر عن الجانب الإنساني فيها، قضية تحرُّر وطني بالأساس.

"أصحاب القوائم كلّها" (Los dueños de todas las listas) هي قصيدة عن الأطفال المغدورين في عدّة بؤر من العالم، وخصوصاً أطفال غزّة الذين قتلتهم آلة الحرب الصهيونية في عدوان صيف 2014، وعن تعاطي الإعلام الغربي مع أخبارهم. وهي الحالة التي تبرز أكثر في العدوان الحالي. تَطرح القصيدة مسألة بديهية؛ وهي أنّ الأطفال الفلسطينيين، مثلهم مثل بقية الأطفال حول العالَم، ليسوا مجرّد أرقام، بل هُم أطفال يحملون أسماءً ولهم عائلات وألعاب وأحلام.


أصحاب القوائم كلّها

أيّها الأطفال الموتى، ادخلوا واحداً واحداً، 
نحن سنواسيكم
جوقة: نحن سنواسيكم
أيّها الأطفال الموتى.
حبّات فاصولياء حمراء
ظلالٌ عملاقة
في أرض لا عشب بها.
ادخلوا، تعالوا، اسمعوا أسماءكم.

يا جيمس، يا اسم الأمير، أنتَ الذي قُتلت في السابعة من عمرك
يوم 13 كانون الثاني/ يناير 2012 في سكرامنتو كاليفورنيا
من قبل مجنون أراد الظهور على شاشة التلفاز.
بوركت زلّاجاتك يا جيمس
في الخزانة المغلقة
وقفّاز البيسبول الخاص بك
في درج المرأب
واللعنة على الحبال والخناجر
وعلى الرجال الذين يحصدون كروم النور.
أبواك يا جيمس لا يميّزان الماء عن النار
العالم يا جيمس فقد لوناً.
جوقة: بوركت زلّاجاتك يا جيمس
واللعنة على الرجال الملاعين وسكاكينهم الحديدية.
دعونا نبكي الأطفال الموتى
ثقوب سماوية صغيرة
ادخلوا أيها الأطفال الموتى، واسمعوا أسماءكم.

يا مارغريتا، يا اسم الزهرة، أنت التي اغتُصبت وذُبحت 
في الحادية عشرة من عمرك
في سالتا الأرجنتين يوم 20 أيار/ مايو 2013
من قبل بائع ساعات.
بُورك يا مارغريتا فستانك 
على الشمّاعة المنسية
وملصق شاكيرا 
على جدار غرفتك
واللعنة على الأيادي التي لا روح لها
وعلى الرجال الذين يكسرون المشاعل المزهرة.
صديقك خوان، يا مارغريتا،
لا يميّز عرق السوس عن الفراولة
والعالم يا مارغريتا ظهر له ثقب في الصدغ.
جوقة: بورك فستانك يا مارغريتا
واللعنة على الرجال الملاعين وخُطافاتهم الفولاذية.
دعونا نبكي الأطفال الموتى
حبّات بازلاء شجرة الشمس
ادخلوا أيها الأطفال الموتى، واسمعوا أسماءكم.

يا نيكولا، يا اسم الطائر، أنت الذي حُرقت حيّاً وعمرك ثلاث سنوات
يوم 20 كانون الثاني/ يناير 2014 في كالابريا إيطاليا
من قبل المافيا وأتباعها الذين لا ربّ لهم.
بورك خذروفك الأصفر يا نيكولا
في خزانة الجدّة
وسيارتك البلاستيكية
في العلية المتربة
واللعنة على عروق لا دم بها
وعلى الرجال الذين يخنقون صوت العصفور.
أجدادك يا نيكولا لا يميّزون الأسود عن الأبيض
والعالم يا نيكولا سقط منه زرّ.
جوقة: بورك خذروفك الأصفر يا نيكولا
واللعنة على الرجال الملاعين وأظافرهم القذرة.
دعونا نبكي الأطفال الموتى
حبّات توت أسود من الغابة 
ادخلوا أيها الأطفال الموتى، واسمعوا أسماءكم.

يا غابرييل، يا اسم الملاك، أنت الذي قُتلت بطلقات نارية وعمرك ستّ سنوات
يوم 19 آذار/ مارس 2012 في المدرسة اليهودية في تولوز فرنسا
من قبل إرهابي متعصّب يركب درّاجة نارية.
بورك زيّ رعاة البقر الخاص بك يا غابرييل
في صندوق غرفة الألعاب
ودرّاجتك 
في زاوية الفناء
واللعنة على الأسلحة والشيطان الذي يحملها
واللعنة على الرجال الذين يمزّقون ريشات الريح
إخوتك يا غابرييل لا يميّزون السحلية عن صرصور الليل.
والعالم يا غابرييل لديه بقعة في العين.
جوقة: بوركت درّاجتك يا غابرييل
واللعنة على الرجال الملاعين وأنيابهم الدموية 
دعونا نبكي الأطفال الموتى
حبّات عدس معطرة
ادخلوا أيها الأطفال الموتى، واسمعوا أسماءكم.

أيها الطفل من أنت؟ أنت لست على القائمة
ليس لك اسم ولا أقارب ولا ألعاب.
الجروح التي تحملها ليست لك
جوقة: أنت لست على القائمة، من أنت؟
من أين أَخرجت كلّ هذه الجروح؟

سمّوني أيها السادة الرحماء
يا أصحاب كلّ القوائم
أنا اسمي محمد عريف وقُتلت وعمري عشر سنوات
يوم الأربعاء 9 تمّوز/ يوليو 2014 في غزّة فلسطين
من قبل طائرات كانت تسقط عناقيد الموت
يتبعني أخي إياد، اثنا عشر عامًا
وسراج، ثماني سنوات، وباسم، تسع سنوات، وحسين، ثلاثة عشر عامًا
وياسمين ومريم ورمضان وسحر ونور وغالية
وأنس وأمل وقصي
و-انظروا إلى الوراء- مئات ومئات من الأطفال
أطفال فلسطينيون يسحبون دلاء الدم
وأكياس الجروح
دون أذرع ولا أرجل ولا أسنان
مبتورة بأظافر قذرة
بسكاكين حديدية
من رجال ملاعين لا ربّ لهم ولا عروق.

أنت لست على القوائم أيها الصغير
أنت لا توجد، أنت لا تنزف، أنت لا تبكي
جوقة: أنتَ لست على القوائم
نحن لا نشعر بشيء.

سمّوني أيها السادة الرحماء
يا أصحاب كلّ القوائم
أمّي كانت تصنع أفضل خبز بالزعتر في الشرق الأوسط
- بالسماق والكتان والبردقوش -
وتغنّي لي في الليل أغنية مجنون ليلى 
الآن لا تستطيع تمييز الكمّون عن السمسم.
عمّي رضوان كان له شارب كبير يشبه شارب فيل البحر
وقارب خشبي على اسم فتاة.
الآن لا يعرف تمييز العسل عن الملح.
ابنا عمّي أحمد ويحيى كانا يسمحان لي باللعب
بهاتفيهما وعلّماني التصفير بأصابعي
الآن لا يستطيعان تمييز الجير عن الأبيات.

أنت لست على القوائم يا فتى
أنت لم تكن تضحك، لم تكن تغنّي، لم تكن تحلم
جوقة: أنت لست على القائمة
لا يمكننا البكاء

باركوا ألعابي أيها السادة الرحماء
يا أصحاب كلّ القوائم
باركوا كراتي الزجاجية 
وخذروفي ذا الرأس المسماري
والدرّاجة الصدئة التي كانت تأخذني إلى المدرسة
وصوري لفيروز وتشي غيفارا
والمسدّس البلاستيكي
الذي كنت أحيّي به أخي إياد
واليويو الأحمر وكرة البارصا
التي أحضرها لي يحيى من مصر
باركوا ألعابي
أيها السادة الرحماء
بين أنقاض بيتي المدمّر
بصاروخ إسرائيلي.
باركوا ألعابي
والعنوا جلّادي.

أنت لست على القائمة، لا يمكنك المرور.
يا جيمس يا مارغريتا يا نيكولا يا غابرييل تعالوا
تعالوا بأسمائكم
بأسماء الأمير والطائر والملاك والزهرة
واللعنة على الرجال الملاعين بأظافرهم القذرة!
وأنتم أيها الفلسطينيون عليكم أن تنتظروا.
غيّروا أسماءكم أيها الفلسطينيون
غيّروا بلدكم، غيّروا جهتكم، غيّروا إلهكم،
وفي المرة القادمة التي نقتلكم فيها
سنسمح لكم بأن تكونوا أطفالاً.
جوقة: غيّروا أسماءكم أيها الفلسطينيون
غيّروا بلدكم، غيّروا جهتكم، غيّروا إلهكم،
وفي المرة القادمة التي تموتون فيها
يمكنكم أن تكونوا حبّات فاصوليا وبازلاء
ومشاعل مزهرة
وثقباً في العالم
ولوناً مفقوداً
وسنبكي جميعاً
سنبكي جميعاً
كما لو كنتم أميركيين
كما لو كنتم إيطاليين
كما لو كنتم فرنسيين
كما لو كنتم...



بطاقة

الصورة
سانتياغو ألبا ريكو - كادر
سانتياغو ألبا ريكو

Santiago Alba Rico كاتب ومفكّر إسباني، وُلد في مدريد عام 1960. حصل على إجازة في الفلسفة من جامعة "كوبلوتنسي". له عدّة إصدارات في الفلسفة والأنثروبولوجيا والسياسة؛ منها: "قواعد الفوضى: ملاحظات من أجل أنثروبولوجيا السوق" (1995)، و"العالم غير المكتمل: قصة عن الإبداع والكتّاب" (1999)، و"هل يمكننا أن نبقى يساريّين؟" (2013)، و"كلُّ الماضي أمامنا" (2017)، و"لا أحد في مأمن وهو يحمل كتاباً في يده" (2018).

المساهمون