زيارة موقع: "لوحتي".. هل يُسوّق فعلاً للتشكيل الجزائري؟

01 نوفمبر 2021
لوحة لـ عبد القادر بلخريسات (من الموقع)
+ الخط -

في نيسان/ إبريل الماضي، أطلقت "الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي"، وهي إحدى المؤسّسات التابعة لوزارة الثقافة والفنون في الجزائر، منصّةً إلكترونية خاصّة بالفنون البصرية باسم "لوحتي"، في محاولةٍ لخلق مساحة "تُتيح للفنّانين الوجود، بشكل دائم، في معرضٍ افتراضي يتيحُ لهُم الوصول بسهولة إلى الخبراء والمستخدِمين المختلفين لهذا المجال الفنّي".

في زاويةٍ تعريفية بعنوان "ما هي لوحتي؟"، نقرأ تعريفاً للموقع www.lawhati.dz بأنّه "استجابة مبتكرة وعملية تسمح للفنّانين بتقديم أعمالهم إلى السوق دون الحاجة إلى عرضها فعلياً"؛ فـ الموقع يهدف، أساساً، إلى تسويق الأعمال التشكيلية الجزائرية مِن خلال عرضها مباشرةً عبر الإنترنت، مِن دون المرور بفضاءات العرض الفعلية.

مِن الواضح أنَّ جائحة كورونا، التي تسبّبت في توقُّف المعارض الفنّية وغيرها من الفعاليات الثقافية لما يُقارب سنتَين، دفعت في اتّجاه التفكير في هذا الخيار؛ إذ لم يكُن دارجاً في الجزائر، قبل الجائحة، إقامةُ معارض فنّية افتراضية، بل إنَّ المعارضَ التي تُقام حضورياً لا تُوفِّر في العادة نُسخاً مِن معروضاتها عبر الإنترنت للاطلاع، كما أنَّه مِن النادر الالتقاء في الفضاء الرقمي بلوحاتٍ لفنّانين جزائريّين، بمن فيهم الذين يحظون بشهرةٍ واسعة، يُستثنى مِن ذلك الفنّانون المقيمون، أو الذين أقاموا، خارج البلاد (فرنسا خصوصاً)، وهؤلاء تُوفّر أعمالَهم متاحف وغاليريهاتٌ أجنبية أكثرُ انفتاحاً على العالَم الافتراضي.

سرعان ما تتحوّل البساطة التي نلمسها على واجهته إلى فوضى في داخله

يبدو تصميم الموقع، الذي يتوفّر باللغتَين العربية والفرنسية، بسيطاً، تتصدّره ستُّ زوايا رئيسية تُحيل إلى الأنواع الفنّية التي تتوزّع ضمنها الأعمال المعروضة؛ وهي: "الطلاء"، و"الرسم"، و"النحت"، و"الفن الجرافيكي"، و"الخط العربي"، و"التصوير". تُشير عبارة "الطلاء" هنا إلى اللوحات التشكيلية، وهي ترجمةٌ حرفيةٌ لعبارة " Peinture" في النسخة الفرنسية. مِن الواضح أنَّ الموقع صُمّم وأُنجز بالفرنسية أساساً، ثمّ نُقلت محتوياته إلى اللغة العربية، وربما هذا ما يُفسّر ركاكة كثير مِن العبارات العربية فيه، فضلاً عن أخطائها ذات الطبيعة الإملائية في الغالب؛ ومِن ذلك رسمُ التاء في نهاية الكلمات هاءً، وغيابُ الهمزة في كلماتٍ ينبغي أن تحضر فيها والعكس.

بيد أنَّ تلك البساطة في توزيع مكوّنات الموقع، والتي نلمسُها على واجهته، ستستحيلُ إلى نوعٍ من الفوضى في داخله؛ مع بروز العشرات من الزوايا الفرعية المنسدلة التي تُحيل إلى تصنيفات فنّية أُخرى، وهي تحمل أسماء مبهمة (يرجع الأمر دائماً إلى الترجمة الحرفية)؛ مثل: "عرض"، و"في زيت"، و"على أقدام"، و"مجازي"، و"شيء"، و"توضيح"... تتطلَّبُ معرفةُ طبيعة المحتوى الولوجَ إلى الزاوية المعنية، لكنَّنا سنجدُ أنَّ كثيراً منها لا يزال فارغاً، وهو ما ينطبقُ أيضاً على زوايا منسدلة أُخرى؛ مثل "صحافة"، و"شهرة إعلامية".

في زاويةٍ باسم "فنّانينا"، سنعثر على قائمةٍ للفنّانين الجزائريّين الذين تُعرض أعمالُهم على المنصّة، مع سيَر ذاتية لهُم، وبعضٍ من أعمالهم؛ حيث يُرفق كلّ عملٍ بمعلوماتٌ عنه؛ مثل العنوان وسنة الإنجاز والأبعاد والتقنية المستخدمة. سنُلاحظ أنَّ الأمر يقتصر على فنّانين سبق لـ"الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي" أن أقامت معارض لهُم، وأنّ عددَهم لا يتجاوز 29 فنّاناً، ومع ذلك، يبدو الأمرُ إيجابياً بالمقارنة مع كثيرٍ من المشاريع الثقافية التي تُنسى بعد أيّام من إطلاقها؛ إذ بدأ الموقع بأقلّ من هذا العدد بكثير، ثمّ راح ينمو. لكن، هل سيتسمرُّ ذلك؟

بالنسبة إلى منصّة تهدف، بالدرجة الأُولى، إلى تسويق المنتَجات الفنّية، يُفترَض أن يكون الوصول إلى أعداد كبيرةٍ من المستهدَفين في مقدّمة أولوياتها. يتطلّب ذلك، بالضرورة، الحضور بكثافة على مواقع التواصُل الاجتماعي التي لا غنى لأيّ متجر إلكتروني عنها. غير أنَّ حضور "لوحتي" على الشبكات الاجتماعية لا يزال محتشماً بعد مرور أكثر من ستّة أشهر على إطلاقها؛ إذ لا يُتابع صفحتها على فيسبوك سوى قرابة 600 شخص، بينما لا يتجاوز عددُ متابعيها على إنستغرام 130 شخصاً. يكتفي الموقعُ بهاتَين المنصّتَين ويغيب عن غيرهما.

بالإضافة إلى الغرض التسويقي، تُؤدّي المنصّة أدواراً توثيقية وثقافية في مشهدٍ لا يُوثّق لأعماله الفنّية على الإنترنت، وهو أمرٌ من الأهمية بمكان، وإن كان التعريفُ قد غفل عنه، مكتفياً بالبُعد التجاري. ومع ذلك، لا يُقدّم الموقع، الذي أُنشئ باقتراحٍ من هيئة أطلقتها وزارة الثقافة والفنون باسم "سوق الفنّ"، أرقاماً عمّا حقّقه مِن مبيعات، كما أنَّ المؤسّسة التي تُشرف عليه لم تُصدر أيّ بياناتٍ ولم تُنظّم أيّ لقاء صحافيّ للحديث عن مدى تحقيقه أهدافه خلال الفترة الماضية.

تبدو جميع تلك الاختلالات مفهومة بالنظر إلى أنّها التجرُبة الجزائرية الأُولى في هذا المجال. كلُّ ما يتطلّبه الأمرُ هو مزيدٌ من الاشتغال على مستويَين: استقطابُ مزيدٍ من الأعمال الفنّية، والعمل على تجويد الموقع وتنظيمه.

المساهمون