تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الخامس عشر من آب/ أغسطس، ذكرى ميلاد المطرب والملحن المصري محمد فوزي (1918 – 1966).
قبل أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره، طاف محمد فوزي الذي تحلّ اليوم الأحد ذكرى ميلاده معظم القرى المحيطة بمدينة طنطا، حيث وُلد في إحدى القرى التابعة لها، مؤدياً أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب في الحفلات المدرسية والتجمعات الشعبية للموالد.
ويروي الباحث مصطفى بيومي في كتابه "محمد فوزي، المجد والدموع" (2009) أنّ المطرب والملحن المصري (1918 – 1966) استطاع أن يتعلّم أصول الموسيقى الغربية رغم المعارضة الشديدة التي أبداها والده، ودرس على يد عسكري المطافئ محمد الخربتلي، عضو "فرقة طنطا الموسيقية"، ثم التقى في منتصف الثلاثينيات الملحن مصطفى العقاد، ضابط الإيقاع في "معهد الموسيقى العربية"، الذي أُعجب بصوته، فساعده على الالتحاق بالمعهد، لكنه لم يكمل دراسته فيه.
ويشير الكتاب إلى أن فوزي نشأ في عائلة فقيرة، حيث كان والده من قرّاء القرآن الكريم ووالدته فلاحة بسيطة لا تجيد القراءة والكتابة، إلا أنه تمسّك بحلمه، فانتقل إلى القاهرة بعد أن حصل على الشهادة الإعدادية سنة 1931، وهناك عمِل في "فرقة بديعة مصابني" مقابل سبعة جنيهات شهرياً، وهو يعدّ أجراً عالياً في تلك المرحلة، ثم انضمّ إلى الفرقة التي أسّسها الفنانان فاطمة رشدي وزوجها عزيز عيد، وهما أول من اكتشف موهبته في التلحين.
وسجّل أول أغنية له في الإذاعة بعنوان "بين النخيل والبدر طالع" عام 1938، من تأليف قاسم مظهر وألحان سعيد فؤاد، وبعد ذلك رفضت الإذاعة اعتماده كمطرب بعد رسوبه في المسابقة، لكنه اجتاز مسابقة التلحين. كذلك بدأ بالتمثيل في العديد من الأفلام السينمائية بأدوار صغيرة حتى شارك في فيلم "سيف الجلاد" بأغنيتين من ألحانه سنة 1944، وفي هذا العام اختار له يوسف وهبي اسمه المختصر محمد فوزي بدلاً من محمد فوزي عبد العال الحو، الذي وقّع به أغانيه السابقة.
بعد ثلاث سنوات، أسّس صاحب أغنية "كلّ دقة في قلبي" شركة إنتاج سينمائي كان لها حضورها الكمي والنوعي خلال الخمسينيات، في فترة شهدت تبلور أسلوبه الخاص في التلحين مع تقديمه أغاني مثل "كلمني طمني" الملحنة على إيقاع الفالس بأسلوب بسيط من دون آلات موسيقية، معتمداً على الكورس فقط.
وكان تعاونه مع شادية هو الأبرز، حيث غنّت العديد من ألحانه مثل "إسكندرية يا غرامي"، و"كتروا الخطاب" و"لا يا حمادة"، و"لقيته وهويته"، إلى جانب مطربين آخرين منهم شقيقته هدى سلطان، ومحمد عبد المطلب، وصباح، ونور الهدى، ونجاة، ووردة الجزائرية، وسعاد محمد، وأحلام ومحمد رشدي ومحمد قنديل وعبد الغني السيد ومحرم فؤاد.
وفي عام 1956، سافر مسؤولان من "جبهة التحرير الجزائرية" إلى مصر والتقيا محمد فوزي في "إذاعة صوت العرب"، وطلبا منه تلحين النشيد القومي الجزائري الذي ألّفه الشاعر الجزائري مفدي زكريا، ووافق على طلبهما وسط تشكيك من بعض الموسيقيين في قدرته على ذلك، نظراً لأعماله التي كانت تعدّ خفيفة في أسلوبها، لكن لحنه لاقى استحساناً كبيراً، واعتُمِد إلى اليوم، ويأتي في مفتتح النشيد: قسماً بالنازلات الماحقات/ والدماء الزاكيات الطاهرات/ والبنود اللامعات الخافقات/ في الجبال الشامخات الشاهقات/ نحن ثرنا فحياة أو ممات/ وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر/ فاشهدوا.. فاشهدوا.. فاشهدوا..
لحّن فوزي عشرات الأغاني من ألحانه الخاصة، وشارك في عدد من الأفلام مثل "حبيبي وعينيه"، و"شحات الغرام"، و"تملي في قلبي"، و"وحشونا الحبايب"، و"اللي يهواك أهواه"، و"مال القمر ماله"، إلى جانب تلحينه أغنيات الأطفال الشهيرة ومنها "ماما زمانها جاية" و"ذهب الليل طلع الفجر"، وواصل العمل حتى عام 1965 حيث أصيب بمرض سبّب وفاته بعد نحو عام، قبل أن يبلغ الخمسين.