زهير الكرمي: العلم وجدلية التغيير الاجتماعي

07 ديسمبر 2021
(زهير الكرمي، 1921 - 2009)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، السابع من كانون الأول/ ديسمبر، ذكرى ميلاد الباحث والإعلامي الفلسطيني زهير الكرمي (1921 – 2009).


ينتمي زهير الكرمي، الذي تحلّ ذكراه اليوم الثلاثاء، إلى جيل أدرك باكراً الدور الذي لعبه الاستعمار البريطاني في حرمان الفلسطينيين من التعليم الجامعي، حيث حالت ظروف النفي والاعتقال التي تعرّض لها كثير من التربويين آنذاك، فلم يستطيعوا تحقيق حلمهم بإنشاء جامعة فلسطينية، مقابل دعم اليهود في تأسيس الجامعة العبرية عام 1925.

أدرك الباحث والإعلامي والتربوي الفلسطيني (1921 – 2009)، أهمية العلم في تغيّر المجتمعات وقدرته على تمكين أفرادها من مواجهة الظلم والاحتلال، ما دفعه إلى تأسيس "المعهد العربي" في أبوديس بالقرب من القدس سنة 1957، كما قام بإنشاء "كلية العلوم والتكنولوجيا" بجوار المعهد، حيث تولّى إدارتها وساهم في تحوبلها إلى "جامعة القدس" بعد دمج كليات إضافية ضمنها. 

وُلد صاحب كتاب "الطبيعة الإنسانية" (1995) في مدينة دمشق، التي كان يعمل والده المربي محمود الكرمي فيها مديراً لمدرسة الملك الظاهر، وتلقّى تعليمه الأساسي في فلسطين، حيث التحق عام 1937 بالكلية العربية في القدس، وحصل على الثانوية العامة، ثم سافر إلى بيروت وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم من "الجامعة الأميركية" سنة 1941، وعاد إلى طولكرم ليعمل معلماً في المدرسة الفاضلية.

اهتم بتبسيط العلوم ونشرها وإنشاء مؤسسات تعليمية حديثة قادرة على النهوض بالواقع العربي

 انتقل الكرمي بعدها إلى لندن حيث حاز درجة الماجستير في علم الأحياء من "الكلية الإمبراطورية" عام 1948. وعقب عودته، شارك في تأسيس مستشفى الجهاد، كما عمل مدرساً للغة الإنكليزية في "معهد خضوري الزراعي" في مدينته.

توجه إلى الكويت للعمل مدرساً عام 1951، وهناك أصبح مفتشًا للعلوم ثم رئيسًا لمفتشي العلوم في وزارة التربية والتعليم الكويتية، وأشرف على وضع مناهج العلوم، وساهم أيضاً في إعداد وتقديم البرامج العلمية في هيئة الإذاعة والتلفزة الكويتية، والتي كانت محطّة مهمة في تغيير مسار حياته بعد انتشار برنامجه "العلم والحياة" جماهيرياً.

يعتبر الكرمي أحد أبرز خبراء التربية في العالم العربي الذين اعتمدتهم "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" (اليونسكو) في عدد من برامجها، مركّزاً في حياته المهنية على مسارين أساسيين، هما: تبسيط العلوم ونشرها لأوسع فئات المجتمع، والإيمان بضرورة بناء مؤسسات تعليمية وعلمية حديثة قادرة على النهوض بالواقع العربي.

من أبرز مؤلّفاته: "الأطلس العلمي: عالم النبات" (1977)، و"معالم صورة العالم في القرن الحادي والعشرين" (1977)، و"العلم ومشكلات الإنسان المعاصر" (1978)، و"الأطلس العلمي: عالم الحيوان" (1983)، و"الأطلس العلمي: فيزيولوجيا الإنسان" (1983/ مجلّدان)، و"مرجع اليونسكو في تعليم الجغرافيا" (1985)، و"عود على بدء: قصة طويلة"" (1993)، و"الطبيعة الإنسانية" (1995)، و"موسوعة الأطلس العلمية" (1999)، بالإضافة إلى "علم الحياة" (ثلاثة أجزاء)، و"العلوم العامة" (تسعة أجزاء)، و"الكويت والماء في القرن الحادي والعشرين"، و"الكويت والصناعة في القرن الحادي والعشرين".

يضع الكرمي تصوّره حول دور العلم في فهم الإنسان لنفسه في تقديم كتابه "العلم ومشكلات الإنسان المعاصر"، ويكثّفها في نقاط أساسية: ارتباط الإنسان ببيئته والكائنات الحيّة التي تعيش عليها، وأن سيطرته وهيمنته المتزايدة تسبّب أحياناً إخلالاً في التوازن البيئي، ومحدودية الزمن الذي يعيشه الإنسان على الأرض، واستغلال الإنسان لإمكانياته وقدراته العلمية في استغلال البشر ورفضه المساواة بينهم، وأن السعادة مفهوم نسبي يتغيّر بتغيّر معايير الإنسان ومفاهيمه.

المساهمون