خسائر الكاتب

14 يونيو 2024
بول أوستر أثناء توقيعه نسخاً من كتبه في "معرض باريس للكتاب"، 2010 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بول أوستر وسلمان رشدي يعبران عن شكوكهما حول تأثير الكتابة في عالم يقل فيه القراء والاهتمام بالأدب، مشيرين إلى أن الكتب نادرًا ما تغير شيئًا.
- روبرت داونز في كتابه "كتبٌ غيّرت العالَم" يسلط الضوء على الكتب التي أحدثت تأثيرًا كبيرًا في التاريخ، بما في ذلك "رأس المال" لكارل ماركس، مؤكدًا قدرة الكتب على خلق التغيير.
- رغم التشكيك في قيمة الكتابة، تظل الأنظمة السياسية والمحرضون على العنف دليلاً على قوة وتأثير الكتب، حيث تُمنع وتُراقَب الكتابات التي يُخشى من قدرتها على إحداث التغيير.

قال الكاتب الأميركي بول أوستر: "إنّ ما نقوم به، نحن معشر الكتّاب، يكاد يكون أمراً عديم النفع، لأنّ قلّة من البشر تقرأ، وتهتمّ بالأدب" (الترجمة لمحمد الفحايم). وسبق لـ سلمان رشدي أن صرّح أيضاً: "من النادر أن يَقدر كتابٌ على تغيير شيء في هذا العالَم". لا يُشير كلا الكاتبين إلى نوع الكِتاب المقصود، وإن كان كلٌّ منهما قادماً من الأدب، أو من الرواية حصراً، لا من الفلسفة، أو التاريخ، أو السياسة، أو الاقتصاد.

وكان أمين سلامة قد ترجم من قبل كتاباً لـ روبرت داونز (1885 - 1945) عنوانُه "كتبٌ غيّرت العالَم" (صدرت طبعته الأخيرة عن مؤسّسة هنداوي)، وفيه سجّل لأشهر الكتب التي كان لها تأثير حاسم في تاريخ البشرية، ومن بينها رواية واحدة هي "كوخ العم توم" للكاتبة الأميركية هارييت بيتشر ستو.

أمّا اللائحة، فتضمُّ كارل ماركس، الذي لم يخرج هو شخصيّاً في أيّة مظاهرة، ولم يشارك في أيّة ثورة، وإنّما جلس في المتحف البريطاني يؤلّف كتاباً سوف يُسهم، بصرف النظر عن رأي أيّ كاتب آخر، في تغيير العالَم، أو في خلق مشاريع التغيير، وهو كتاب "رأس المال" الشهير جدّاً. واللافت في "رأس المال" أنّه كتابٌ صعب، ولهذا فإنّ أثره لم يكن مباشراً، بل عبر الوسائط التي حملته، أي عبر القراءة والتفسير وتحويل منطقه العامّ إلى ممارسة على الأرض.

انخراطٌ متزايد في الكتابة تصحبه رقابة لمنعها من إحداث أيّ أثر

ومع ذلك، فإنَّ سلمان رشدي نفسه تعرّض للتهديد بالقتل، ومن ثمّ لمحاولة اغتيال، بسبب كتاب، وتعرّض نجيب محفوظ لمحاولة شبيهة بذلك أيضاً. وإذا كان الفاعل لم يقرأ كتبه، كما يُقال أحياناً لإدانة الفعل، فإنَّ المحرّضين على القتل قرأوا الكتاب، والطغاة في العالَم ليسوا أمّيّين، ويتعارض قول الكاتبَين مع الممارسة التي تُقدم عليها كثيرٌ من الأنظمة السياسية التي تمنع الكتب - وثمّة الآلاف من الكتب الممنوعة في جميع اللغات في العالم، وفي مئات البلدان - وتُصادر حرية التعبير، وتُلاحِق الكِتاب والكاتب، وتسجنه أحياناً، وقد تكون مثل هذه السلطات هي الجهة الأكثر إيماناً بقيمة الكتابة وقدرة الكتاب على تغيير العالَم.

والغريب أن يكتب روائيٌّ واسع الانتشار مثل بول أوستر، أو سلمان رشدي، أو غيرهما من الكتّاب في الغرب عن هذا اليأس من الكتابة! وبالقياس إلى كتّاب العوالم الأُخرى، وخاصّةً عالَمنا العربي، فإنَّ الحال سوف يبدو شديد البؤس، إذ بينما يتمكّن الكاتب في أوروبا وأميركا من توزيع آلاف النسخ من كتبه، وهناك من يوزّع مئات الآلاف، يعجزُ الكاتب في تلك العوالم، وفي عالمنا العربي خاصّةً، عن توزيع ألف نسخة في خمسة أعوام.

ومع ذلك، فمن المستبعد أن نعثر على كاتب عربي يجرؤ على القول بلاجدوى الكتابة، بل بالعكس من ذلك، يبدو الإيمان بجدوى الكتابة مبدأً ثابتاً في يقين جميع الكتّاب العرب، بل إنّ الآلاف من العرب انخرطوا في عالَم الكتابة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، بينما راحت الأنظمة تسنّ قوانين المراقبة لتمنع الكتابة من إحداث أيّ أثر... وتلك هي أغرب المفارقات.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون