حياة الأعمال

05 مايو 2023
منحوتة لوليم شكسبير في المملكة المتحدة (Getty)
+ الخط -

كيف ومتى يُمكن اعتبار الكاتب مُهمَّاً في الحقل الإبداعي الذي يكتب فيه؟ ومتى يصبح الكاتب أهلاً للمكانة التي يجب أن يتأهّل لها بجدارة؟ ويمكن صياغة السؤال بشكلٍ أفضل كما يلي: متى أصبح شكسبير كذلك، ولماذا، ومتى أضحى امرؤ القيس أو المتنبيّ في المكانة الشعرية التي هُما عليها اليوم؟ ولماذا؟ أي: من أين يأتي تقدير الكُتّاب، سواء أولئك الذين باتوا راسخين، وقليلا ما يُناقش أحد في مكانتهم، أو أولئك الذين يكتبون، ويُحتَمل أن يكونوا في المرتبة ذاتها اليوم، أو غداً؟

يردُّ الناقد الإنكليزي ماثيو أرنولد، في كتابه "النقد"، تقدير الكُتّاب والكتب إلى ثلاثة طرق؛ الأول: هو التقدير التاريخي، والثاني هو التقدير الشخصي، والثالث هو التقدير الحقيقي. وإذا ما تأمّلنا في هذه الجوانب، فإننا سوف نكتشف أنّ كلّ واحدة من بينها تخلق إشكالاً قوياً يصعب تجاوُزه، أو رفضه، بينما هو قد لا يعبّر عن حقيقة الكاتب أو الكتابة التي يُشير إليها.

كما أنّ النقد قليلاً ما يهتمُّ بتوضيح مثل هذه المسائل للقرّاء، والصعوبة كامنة في كلّ واحدة من بينها بدرجات مختلفة، وربما كان التقدير التاريخي هو أكثرها سهولة ويُسراً. إذ تحتفظ كثيرٌ من الأعمال الأدبية، بتقدير تاريخي ناجم عن الرِّيادة مثلاً، ويُمكن أن تكون رواية "زينب" لـ محمد حسين هيكل نموذجاً قوياً في التعبير عن هذه القيمة، فهي لا تُقرَأ اليوم بوصفها رواية فنّية، بل بكونها إحدى المحاولات الأُولى في الكتابة الروائية الفنية العربية. ولا قيمة اليوم في رأيي، للاختلاف حول هذه الرِّيادة من الناحية الفنّية، بل من الناحية التاريخية فقط، وسوف يُصبح هذا الاختلاف بلا ضرورة، إلّا من زاوية التقدير القومي أو الوطني، في حال كانت هناك عصَبية قومية تقول: إن السَّبْقَ للشامي فرنسيس المراش، لا للمصري هيكل.

أكثر التقديرات صعوبة وغموضاً هو التقدير الحقيقي للكاتب أو الشاعر

ويبدو التقدير الشخصي اليوم أخطر التقديرات في ظلّ الانتشار الواسع لوسائل التواصل، إذ يستطيع أيّ شخص أن يضع كاتبَته أو كاتبه المفضّل في رأس قائمة الأهمّية دون حساب. وبالنظر إلى تقاطُع الاجتهادات فإنّ معظم الكتّاب يحظَون بتقدير شخصي ما، ولكنّ المحظوظين من بينهم هُم أولئك الذين يقدّم لهم التقدير الشخصي قرّاءً يتمتّعون بـ"شعبية" راسخة في إحدى وسائل التواصل.

على أنّ أكثر التقديرات صعوبة وغموضاً هو التقدير الحقيقي للكاتب أو الشاعر. يحاول ماثيو أرنولد أن يقدّم حلّاً لمُشكلة التقدير الحقيقي الذي يخلق فارقاً بين شعر وشعر، وشاعر وشاعر آخَر، وينصح بالعودة إلى النماذج التي قدّمها "الأفذاذ العِظام"، واعتبارها مقياساً للتقدير الفنّي الحقيقي. لكنّ الحلّ غامض ويُعيدنا إلى المشكلة الأساسية من جديد، فما هي المعايير التي وضعت أولئك الأفذاذ في مكانتهم؟ وهي تترك لنا الفضاء واسعاً أمام الأسئلة: لماذا أضحى نجيب محفوظ الروائيَّ الأكثر شُهرة في الأدب العربي، ولمَ لم يستطع أيُّ روائيٍّ عربي أن يصل إلى مكانته حتى اليوم؟ ومتى قرّرت البشرية مكانة شكسبير، أو تولستوي، أو تشيخوف؟ يسأل الناقد الروسي ميخائيل خرابتشنكو في مقالة طويلة بعنوان "حياة الأعمال" في كتابه "الإبداع الفني والواقع الإنساني" مثل هذه الأسئلة، غير أنّ الأجوبة تبدو أكثر غموضاً.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون