استمع إلى الملخص
- في عام 2024، برزت أحداث ثقافية مثل إعادة افتتاح متحف الخزف الإسلامي وفوز مثقفين بجوائز، لكن التحديات الإقليمية مثل العدوان الإسرائيلي أثرت على المشهد الثقافي.
- رغم جهود تعزيز الثقافة، مثل افتتاح المتحف المصري الكبير، إلا أن هناك شعورًا بتراجع الثقافة بسبب غياب الحريات وسيطرة المصالح الشخصية.
لم يكُن افتتاح أكثر من متحف أو فوزُ عدد من الكتّاب والباحثين المصريّين بجوائز عربية بارزة كافيَين للقول إنّ الحياة الثقافية المصرية شهدت انتعاشةً خلال عام 2024؛ إذ يرى عددٌ من المثقّفين المصريّين، الذين استطلعت "العربي الجديد" آراءهم، أنّ الثقافة في مصر واصلت تراجُعها لناحيتَي الدعم الرسمي ومناخ الحرّيات، في ظلّ غياب رؤية متكاملة للثقافة، على نحوٍ أفقدها قدرتها على أداء دورها بوصفها "قوّة مصر الناعمة".
أُقيمت الكثير من الفعاليات الثقافية العام الماضي. لكنّ "القليل منها علق في الذاكرة"، يقول الطالب الجامعي عبد الفتاح صبحي، وهو رأيٌ يوافقه فيه المهندس إياد أحمد، الذي يعتبر أنّ الحدث الثقافي البارز الوحيد طيلة السنة هو "معرض القاهرة للكتاب"، بينما يستعير إسماعيل صوفي، وهو موظّف سابق في وزارة الثقافة، عبارة "الضجيج الثقافي" التي استخدمها وزير الثقافة السابق فاروق حسني لوصف حالة ثقافية تتّسم بالضجيج، لكنّها فارغةٌ من الداخل، معلّقاً: "اليوم، يستمرّ الفراغ، لكن من دون ضجيج حتّى؛ فمعظم الفعاليات لا تحظى باهتمام جماهيري. أمّا الرسميُّ منها فهو من باب سدّ الخانة".
من وجهة نظر الأكاديمي المصري خالد فهمي، فإنّ مصر شهدت خلال 2024 عدّة أحداث ثقافية مهمّة؛ أبرزها إعادة افتتاح "متحف الخزف الإسلامي" خلال تشرين الأوّل/ أكتوبر بعد عقد ونصف عقد من الإغلاق، بالنظر إلى أنّ المتحف يُعدّ "شاهداً على امتداد التاريخ الإسلامي وإدراج الجماليات الفنّية في الصناعات الخزفية التراثية".
يُضيف الرئيس السابق لكلّ من "دار الكتب والوثائق المصرية" و"الهيئة المصرية العامّة للكتاب" إلى ذلك استمرارُ فوز مثقّفين وأكاديميّين مصريّين بجوائز عربية وعالمية؛ من بينهم أيمن فؤاد سيّد؛ المتخصّص في التاريخ الإسلامي، ومحمّد محمّد أبو موسى الذي يُلقَّب بـ"شيخ البلاغيين"، واللذان فازا في الدورة التأسيسية من "جائزة الدوحة للكتاب العربي"، والأكاديميان محمّد عبد الرازق وهالة جمال الفائزان بـ"جائزة الشارقة للدراسات المعجمية والتراثية". وبحسب فهمي فهذا يؤكّد أنّ "مصر رقمٌ مهمّ في المشهد الثقافي العربي والإسلامي".
يُشير الأكاديمي المصري، أيضاً، إلى حدث آخر؛ يتمثّل في إدراج "يونسكو" آلة "السمسمية" ضمن التراث الإنساني العالمي، والذي "تأتي أهمّيته من الأهمّية التاريخية والرمزية لهذه الآلة التي كانت مصدر إلهام لسكّان السويس في مقاومة العدوان الصهيوني خلال حروب مصر مع الكيان الإسرائيلي".
تحتاج الثقافة إلى مناخ من الحرّيات تفتقده مصر حالياً
غير أنّ خالد فهمي لا يُخفي أسفه على "تراجُع المشهد الثقافي المصري في السنوات الماضية"، مستدلّاً في توصيفه هذا بخفوت صوت الثقافة في التحدّيات التي تواجهها الأمّة؛ وأبرز مظاهرها العدوان الصهيوني على غزّة ولبنان.
من جانبه، يرى الكاتب والمترجم والأكاديمي شريف الجيار، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنّ مصر شهدت العديد من الأحداث الثقافية المهمّة خلال 2024؛ أبرزُها الافتتاح التجريبي لـ"المتحف المصري الكبير"، والذي قال إنّه يُمثّل "أداة مهمّة لتغيير رؤية الغرب إلى الشرق، ممّا سيُعزّز التواصل بين الثقافات المختلفة"، وإقامة الدورة الخامسة والخمسين من "معرض القاهرة الدولي للكتاب" لـ"ما تُمثّله التظاهرة من قناة للتواصل بين الثقافة المصرية والعربية والعالمية"، إضافةً إلى إعلان وزير الثقافة تخصيص "يوم للمثقّف المصري" في كانون الأوّل/ يناير من كلّ عام، والذي قرأ فيه اهتماماً من الدولة بالثقافة والمثقّفين.
في السياق نفسه، يذكر أستاذ الأدب في "جامعة بني سويف"، أيضاً، صدور ترجمة عربية لرواية "القرية" للكاتب الباكستاني انتظار حسين عن قسم اللغة الأردية في كلّية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، معتبراً أنّه يعكس انفتاحاً مصرياً على الثقافة في باكستان وشبه القارّة الهندية.
ومن ناحية أُخرى، اعتبر الجيار أنّ الأحداث التي يشهدها العالم العربي، خصوصاً العدوان الإسرائيلي على غزّة ولبنان، أثّرت بشكل سلبي على المشهد الثقافي في مصر والعالم العربي، مضيفاً: "كان مفترضاً أن تؤدّي تلك الأحداث إلى بروز خطاب ثقافي مصري وعربي قويّ ومؤثّر، لكنّ ذلك لم يحدث".
من جهته، يقول الأكاديمي والمؤرّخ وخبير المخطوطات أيمن فؤاد إنّه لا يرى حدثاً ثقافياً مهمّاً سوى إعادة وزارة الثقافة المصرية تكريم 116 من الحاصلين على جوائز الدولة بين 2019 و2024، بعد توقُّف شبه تام عن هذه التكريمات طيلة السنوات العشر الماضية.
أمّا عند القاصّ والروائي أشرف الخمايسي، فقد كان لافتاً غياب أحداث ثقافية هامّة في مصر طوال العام المنقضي؛ فـ"فوز مصريِّين بجوائز عربية أو أجنبية، ورغم أهمّيته، ليس حدثاً ثقافياً بارزاً"، مضيفاً، في حديثه إلى "العربي الجديد": "تُعاني الثقافة في مصر من تراجُع كبير. ونتيجةً لهذا الوضع رأينا محاولات لسحب البساط من تحت أقدامها لصالح بلدان عربية وخليجية".
يعتقد صاحب رواية "تحت ضغط الظروف" (2023) أنّ الضعف الذي أصاب المشهد الثقافي المصري لا يتناسب مع حجم التحدّيات التي تُواجه الأمّة العربية والإسلامية؛ حيث فشل، برأيه، في دعم قضاياها العادلة، وسيطرت عليه المصالح الشخصية، و"رغم وجود عددٍ كبير من المثقّفين والمبدعين، إلّا أنّ كثيرين منهم دخلوا في بيات شتوي لا يُرجى الخروج منه قريباً".
تحتاج الثقافة، أوّلاً، إلى مناخٍ من الحرّيات، وهو ما نفتقده في مصر حالياً، وفق الخمايسي الذي يختم حديثه متسائلاً: "كيف نتوقّع أن تُصبح الثقافة والفكر قاطرةً لقيادة الأمّة ومواجهة التحدّيات ونحن نرى طالباً يُزجّ به في السجن لمجرّد أنّه حمل علم فلسطين؟ كيف سيُبدع المثقّفون بحرّية وهُم يخشون المصير نفسه؟".