توقعات الأبراج للإنسان العربي 2025

في الريح أسرارُنا.
في حضنها تقلّبُ الكواكبُ أساطيرَ الفصول والأيام
وفيما ترقص النجومُ على إيقاع الزمن
تكتب الأبراجُ سير البشر والكائنات.

*

أمس لم أنم. من نافذة غرفتي
رحتُ أرصد القبّة السماوية. رحتُ أراقب النجوم
وأتأمّل حركات الكواكب والأفلاك.
كانت الحيوانات من كلِّ نوع تلمع وتختفي وتسير وتدور وتسبح وتناور في مسارات دائرية. شبه دائرية.
اتبعتُ تلك الإشارات المضيئة التي يجهلُها الوقت
تراءى لي من بعيد نجم شيخٌ. ونجم يكاد أن يموت.
وبين هذا وذاك، رأيتُ الريحَ تنزلُ على درج الغيم.
كانت تحمل في يديها أوراقاً رمتها عند شباك غرفتي.
انغمست في الريح. تدثّرت بها. واستدرجتني اللحظات.
لستُ منجّماً. ولا أؤمن بالأبراج.

*

هذه أوراقٌ سريّة فيها ما كتبته الأبراج عن ذلك الكائن الذي يُسمَّى الإنسان العربي.
لستُ أنا من كتبها، بل ناقل وترجمان.

■■■
 
برج الحمل

أوّل الأبراج. حَارٌّ وجافّ. طالِعك أحمر. ولا ذاكرةَ لكَ إلّا في النار. نجمُكَ أوّل. يقولون إنك أوّل الربيع. كان اسمك السكين وصار الحمل. لا فرق: خُلقت كي تُذبح أو تُساق للذبح. 
ربّما لهذا يُقال عنكَ إنك طبقٌ أوّل على موائد الملوك والسلاطين.
في خريطة تحترق أطرافها تُقاد كبشاً إلى طقوس الشواء.
لن ينفعك ثغاءٌ. إمّا تضحيّةٌ أو قربان.
حولكَ ذئابٌ وذئابٌ وذئاب. وما أكثرَ السكاكين!
مهما عبرتكَ الشمسُ، لن تعرفَ الضوء ما دمتَ على مائدة السلطان.
يقول لك حظكُ:
اُحلمْ، احُلم بالمراعي
بالعشب الأخضر،
اُحلمْ بالربيع، ببلادٍ اسمها الشمس.
اُحلمْ، احلمْ، إن لم تفعل أكلتكَ السكين.

■■■

برج الثور

لأنَّ الحمل سرقَ منكَ الأحمر تدخلُ الحلبة. أو هكذا قيل لك نقلاً عن سلسلة أنسابٍ لا نهاية لها.
لا حياةٌ لك خارج الدائرة. ولِدتَ كي تُساق إلى الحلبة.
وثمّة من ينتظرُك في الداخل: مصارعون يحملون راياتٍ من كلِّ لون 
ومتفرجون يقهقهون فيما ينفثون تبغَ الجولات.
تُناوَرُ وتروَّض.
رأسك نحو الغرب، والذنَبُ في المشرق. وليس لك كفل ولا رجلان.
هل يمكن أن يكون الثور قناعاً؟
حياتك نطحٌ ونطحٌ ونطح. مع ذلك لا تنطح إلّا الهواء.
السِّهامُ من كلّ صوب: أسوى الرومِ خلف ظهرك روم؟
متى تأتي لحظة السيف؟
في الخارج صفير وصيحاتٌ.
هتافٌ. دخانٌ يملأ الجو.
متى تبدأ الجولةُ الثانية؟
طالعك يهمس لك:
كلَّ يومٍ يأتي من الغربِ إلهٌ بصورة ثور
يسرق شمسَ الشرق
ويمضي. 

■■■

برج الجوزاء

واسعٌ وله أجزاءٌ. إنّه متناقضٌ. إنّه توأم. ويقالُ في البدء كان العناق.
وانفصل الإنسان عن الإنسان.
ضاعَ توأمك أيّها الجوزاء أو قُتل. لا فرق. من كان أو من سيكون؟ ومن القاتل؟
سرِتَ في التيه بحثاً عن الرواية ونسيتَ القتيل. هل ستضعُ قناعه؟
في خريطة تحترق أطرافها تركض وحول العنق حبل السرة.
شللٌ في كل شيء
شللٌ في كل توأم:
في اليدين والرجلين
في الرئتين والذراعين
شللٌ حتّى في الكتفين.
عطارد يقول لك:
اِقطعْ حبل السرّة مع كلِّ آفلٍ
اقطعه، واخلقْ لتوأمِك أفقاً لا مرئياً
ولا بأس إن سافرت في هذا التيه.

■■■

برج السرطان

في أنسجةٍ بعيدة
في انقسام الخلية
في الورمِ الخبيث والحميد
في اليدِ الساقِ الأضلاع الرئة القلب
تتوغّل وتتنشر
تغزو بقية الأعضاء والهيئات
تنبثُّ بين الأبراج
تدخل في الرأس وتصير الأمير
تقود حياتنا وترسم الطريق
لا علاج لك إلّا بالبتر
وليس ثمّة هرقلٌ عربيٌّ كي يقتلك؟
كيف يحيا إنسان بلا رأس؟ ولماذا تتراكم في فمك
الكلمات الساكنة في رؤوس أخرى؟
قمركُ يهمسُ لك:
تعلّم حكمة الجوزاء. فكّر، حتّى لو كنتَ بلا رأس.

■■■
 
برج الأسد

جسمٌ عضليٌّ كبيرٌ يختنق في خريطة تحترق أطرافها.
الرأس كبير. الرئة تكاد أن تجفّ. لكنّك لست إلّا مرايا، صدى وغرفاً ذهبية.
كلُّ غرفةٍ، ألف قفص. وداخل الأقفاص عُلّقت أحجيةٌ: 
هل رأسك الدِّين وجسمك السياسة؟ هل جسمك الدين ورأسك السياسة؟
الشمس التي تحكمُ عفرتك تقول لك:
العالَم يتغيّر، الكائناتُ تتحوّل،
حرباءٌ أو أسد،
تلك هي الأحجية،
في عالَم سلحفاة.

■■■ 

برج العذراء

من منازلِ النجوم والكواكب،
من عالم الأفلاك والسيّارات،
نزلت عشتار الأرض، متيّمةً بتموز، تبحث عنه في أعماقها.
وحين دخلت الأرض التي لا يعود منها من يدخلها،
لم يعد النبات يلقّح النبات. ذَبُلَ الشجرُ، ولم تشعر الحيوانات بالحرارة.
امتنع الرجال عن الحبّ. ولم يعد الثور يعيل البقرة.
نام الرجل في حجرته، ونامت الفتاة وحدها.
وفي خريطة تحترق أطرافها صارت النساء كلهن عذارى.
وجاءت السنبلة: فتاةٌ تعيش على هامش جنسها.
مرّة حلمت أن تحرّر جسدها. لكن السماء انتقمت: جعلت منها قفصاً.
ولا حرية بعد اليوم إلا في الاغتصاب.

* 

أغنية للعذراء

تنظرُ إليكِ الأبراج فيما تغسلين قدميكِ بزئبق كوكبك.
ابحثي عن الحقل الأخضر. كوني برعماً بين الشقوق،
واصرخي في وجه كلّ من يقول لكِ: "أُحبّك".
اصرخي في وجه الريح. في جبهة الشمس.
ولا تنظري إلى الوراء، حتى لو كان القمر.

■■■
 
برج الميزان

ما خلّفت وما قدّمت، أيّها الميزان؟ 
ضوءُ الشمس وأنتَ، ودونكما لا يكون الظلام.
ويقال إن اسمك يستحضر كلّ عدل واعتدال وتوازن.
ألهذا يتساوى عندك الليل والنهار، السماء والأرض
العبدُ والسلطان؟
لكن كيف حدث في خريطة تحترق أطرافها
أن سافرتَ في النطق خرساً، وفي الحركة سكوناً
وكيف عبرت في الأذن صمماً
وصرت في الصباح ليلاً؟
هكذا مالت كفّة الميزان، ثقلت الأعمال، وخفّت الموازين.
والأمّة ما زالت هاوية.
يقول لك طالعك هذا العام:
لكلِّ شيء ميزانٌ
ضع عليه الخليفة والإمام
ولا تنس أن تضع خبز الأيام.

■■■
 
برج العقرب

إبرةُ مواليد برج العقرب هذا العام على الأبراج كلّها.
بعد أن يرتِّب الميزانُ الأشياء، ويضع الأوزان ما خفّ منها وما ثقل على كفتي الأرض،
وبعد أن يرفضَ الحملُ أن يكون كبشاً على موائد الملوك
ويثور الثورُ خارج الحلبة،
وعندما تمكثُ الرؤوس على الأجساد وتتآخى مع بقية الأعضاء
ويلتقي التوأمان ويفكّ أحدهما حبل السرّة عن رقبة شقيقه
ويخرج الأسد من متاهات الأحجيات
وتنام العذراء كل يوم في سرير الشهوة
يجتمع الإمام والملك لإطفاء الفتنة التي أشعلت الخريطة التي تحترق أطرافها،
يهيّجون سائر الحيوانات
ويرسلون العقرب دفاعاً عن كفة السماء
وكرسي السلطان.
يصير العقرب جندياً ويلسع كل من يراه.
وكان عهده ألا يلدغ أحداً.

■■■
 
برج القوس

في البرجِ التاسع من دائرة البروج، عصفور يحمل الثلج ويدخل تخوم تاريخٍ من زبد. 
حجبت الأقنعةُ الشمس. أهلاً بكَ، أيها الرامي، في شكل قنطورٍ أو في هيئة بشر.
دائماً تنام على الحجر. الروح في النار. العقل في الهواء. القلب ماء. والموت ابن عم السماء.
لكن، لماذا تلحق سهامُك الطيورَ وتتركُ الزبدَ أو تغرق في الوحل؟
وكيف أقنعت بقية الأبراج أنّك تمتطي حصاناً نزل من السماء؟
الأضداد تتعاقب، والسهم الخارج من قوسك قد يمضي نحوك.
الحاكم يأمر والسهم يطيع.
كل رمية برجٌ ساقط.
حكمة اليوم: "ليس كل من رمى أصاب".

■■■
 
برج الجدي

تُحلمُ كلَّ يوم: جديٌ يبول على ثديي سمكة. تتساءل: كيف يمكن لحوريّة أن تُرضع جدياً؟
تكبر في الحلم إلى أن تصادف الجدي، فتكسر قرناً من قرونه، لا عن سابق إصرار أو تصميم. 
تصرخ: إنها ساعة المعركة.
تستيقظ من الحلم، وترى قرن الشمس مربوطاً إلى سريرك.
يذكّرك الحظ بما قاله أسلافك: "صروف الأيام تريك الجدي على الثدي".

■■■
 
برج الدلو

تقول لكَ الحياة: 
افتح جوفك أيّها الدلو، ولتسقط منك الجماجم.
أطلِق الحمام المسجون، واغسل قاعك من الطحالب.
أطلِق الأحصنة لتأكل الغبار، وامنح نفسك لماء آخر.
علّم الجرار أن تكون بيتاً للموج، وتعلّم أن تحتوي الفجرَ بلا شواطئ.
تزوّج الفخار، امنح أحشاءك للطين.
انْزع الوحلَ عنك، رمم شقوقك، كُنْ سيّد الصخب السائل.

■■■

واختفى برج الحوت.
احتارت الكواكب التي كانت خُنَّساً، توارت في السماء وتقهقرت، ولم يعد لها مستقر.
جَنحت الشمس، صافت وأربَت، وقيل أيضاً إنّها غارت وغربت.
صام النهار وجمد الزمن. أمّا القمر ما زال منذ زمن يهلُّ زائداً حتى استسر وغاب عن النظر. ولم يعد يُقارِنُ الشمس.
صار الفجر ذئباً، ناءت النجوم ولم يطلع ما يقابلها في المشرق.
نُكِّبت الريح عن مهبّها. لم يعد الربيع يعتدل، وانقلب الصيف على الشتاء. 
حلّ الخريف وطناً.
 

* شاعر سوري مقيم في إسبانيا

نصوص

التحديثات الحية

تحوّلات آلة