في العام 2018، أصدر المؤرخ وأستاذ علم الاجتماع الفرنسي بيير روزانفالون كتابه "تاريخنا الثقافي والسياسي 1968 - 2018"، الذي أعاد فيه النظر بموجة الاحتجاجات التي سادت فرنسا في أيار/ مايو سنة 1968 وانتقلت شعاراتها إلى بلدان مختلفة حول العالم.
وتتبع فيه خمسين عاماً من التأثيرات الثقافية والسياسية التي تركتها تلك اللحظة الفارقة على اليسار العالمي، بوجه الخصوص، بوصفها محاولة ثورية لتغيير العالم ضدّ الرأسمالية التي سعت بأدوات عديدة منها التكنولوجيا من أجل تكريس النزعة الاستهلاكية لدى إنسان العصر الحديث وتفاقم قلقه.
صدرت حديثاً النسخة العربية من الكتاب عن "المركز القومي للترجمة" في القاهرة، بترجمة نجوى حسن، الذي يؤرخ فيه لأحداث مايو من وجهة الشاهد عليها بداية، ثم من مستوى النقد للكتابات الفكرية حولها، ومراجعة أفكار أبرز الشخصيات الفاعلة في تلك الأحداث.
يطرح روزانفالون جملة تساؤلات منها: كيف أفسحت حماسة 68 مايو الطريق إلى الفوضى التي سادت الثمانينيات والتسعينيات، ثم إلى القدرية التي أعاقت أفقنا السياسي والفكري منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؟ وهل انغلق الأفق السياسي والثقافي، ولماذا انقاد اليسار إلى واقعية العجز أو راديكالية عدم التكافؤ إلى حد إفساح المجال للسيادية الجمهورية والشعبوية القومية كي تغزو العقول.
ويقرأ أيضاً بأثر رجعي أبرز الأفكار والتيارات الاجتماعية التي ظهرت خلال عقد السبعينيات، وأهمّ الكتّاب الذين ينتمون إلى ما عُرف باليسار الجديد مثل كلود ليفورت، وكورنيليوس كاستورياديس، وهنري لوفيفر، وفرانسوا فوريه، وأندريه غورز، وإيفان إليتيش، وميشيل فوكو، وغيرهم ممن ساهموا في تطوير العلوم الاجتماعية آنذاك.
وينتقل روزانفالون بعد ذلك لتفسير أسباب تراجع هذه الموجة خلال الثمانينيات وما بعدها، مشيراً إلى لعنة أصابت اليسار في تلك العشرية ولم يتعافوا منها حتى اليوم، وكيف تتشتّت تلك الأفكار الراديكالية وتتحوّل إلى مغامرات فكرية بلا مستقبل منذ التسعينيات.
يختتم المؤلف كتابه بالحديث عن إخفاقات اليسار اليوم في تقديم أطروحات تعالج ثلاث قضايا معاصرة رئيسية، هي: تطوير رأسمالية الابتكار، وتكريس الفردانية في العالم، وأزمة الديمقراطية المتعاظمة التي يعيشها حالياً العديد من المجتمعات الأوروبية.