امتحان غزّة

21 يونيو 2024
طفل فلسطيني على أنقاض منزل في غزّة، 18 حزيران/ يونيو، 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- غزة تكشف عن تحديات الأدب العربي وثقافته في الانتشار العالمي، مواجهةً بالرفض والتجاهل حتى بعد إنجازات بارزة مثل جائزة نوبل لنجيب محفوظ، مما يعكس نظرة الغرب والإعلام الغربي المشوهة تجاه العرب.
- الثقافة العربية، على عكس الادعاءات، لم تكن منغلقة أو عنصرية تجاه الثقافات الأخرى، بل سعت للحوار والتفاعل معها، رغم الدعم الغربي المستمر لـ"إسرائيل" وتجاهل الثقافة والأدب العربي.
- الغرب، مدفوعًا بالسياسة والإعلام، يفضل تجاهل العرب وثقافتهم، متخذًا من "إسرائيل الديمقراطية" وجهة نظره المفضلة، متجاهلاً الحقائق التاريخية والإنسانية، خاصة فيما يتعلق بالفلسطينيين والمذابح التي يرتكبها الصهاينة.

تبدو غزّة اليوم كاشفاً عميقاً لمسألة العلاقة بين الأدب العربي، بل بين العرب قاطبة، وبين الانتشار العالمي لثقافتهم. ثمّة أجوبة جاهزة تزعم أنّ الأدب العربي يتحمّل المسؤولية، بسبب هشاشة الرواية والقصّة والمسرح والشعر، وهو جوابٌ ينمّ عن الجهل من جهة، وعن التخاذل والشعور بالدونية من جهة ثانية. فقد رُفض نجيب محفوظ على الرغم من نيله "جائزة نوبل للآداب"، ولم يُستقبل أيُّ كاتب عربيّ آخر، بغضّ النظر عن موضوع الترجمة الذي نتفاخر به أحياناً، ولدى كثير من الكتّاب العرب ما يؤهّلهم لمكانة أدبيّة تُضاهي أيّ كاتب من الغرب، أو من أميركا اللاتينية، أو من أفريقيا، أو آسيا.

لكنّ السياسة الغربية والإعلام الغربي، وقسماً كبيراً من المثقّفين في الغرب، كان همّهم الرئيس التخلّص من عقدة الذنب التي قاموا بتضخيمها هُم أنفسهم، وبمساعدة حثيثة من الصهيونية، وبدا لهم جميعاً أنّ العائق الرئيسي، أو المانع، أو العدوّ الذي يمنعهم، أو يُعرقل سعيهم للتخلّص من ذنوبهم، هو العربي.

ولقد أظهروا هذا الموقف بلا تردّد أو خجل في الأشهر الثمانية الماضية التي بدأت فيها "إسرائيل" حربها ضدَّ غزة والفلسطينيّين، بمن فيهم كتّابٌ مشهورون، آخرهم الكاتبة الحاصلة على "جائزة نوبل" هيرتا مولر. وهي أكثرهم "جرأة" في الاعتراف بهذه الحقيقة.

لم تكن الثقافة العربية منغلقة أو عنصرية تجاه أيٍّ من الثقافات الأُخرى

والحقيقة هي أنّ الثقافة العربية عموماً، باستثناء بعض النزعات التي ترغب في القطيعة والعزلة، لم تكن منغلقة أو عنصرية تجاه أيٍّ من الثقافات الأُخرى في عالمنا. ودون أن نحسب هنا الكمية، فالترجمة إلى العربية هي في حدودها الدنيا، ولكنّ طبيعة الترجمة تقول إنّ ثقافتنا لم تقاطع غالباً أية ثقافة، ولم تكن لديها أجندة جماعية معادية للثقافة الإنكليزية مثلاً، في حين كانت بريطانيا هي المؤسّس للكيان الصهيوني في فلسطين.

كما لم تُعلن العداء للثقافة الأميركية التي تدعم "إسرائيل" بلا حساب، ولا غيرها من الثقافات، ولم يُسمع عداءٌ لأيّ مكوِّن ثقافيّ في الأدب والفنّ والفلسفة وغيرها، ومن الملاحَظ أنّ الثقافة الأوروبية في هذا النهج ترفض أن تحاور الثقافة العربية، وليس العكس كما يُشاع.

والظاهر اليوم أنّ مصطلح المركزية الأوروبية كان مغشوشاً، أو أنّه المصطلح الذي أردنا نحن أن نناقشه، في ظلّ اختباء السياسيّين والمفكّرين الأوروبيّين وراءه، وتفضيلهم تجاهل العرب والثقافة العربية والأدب العربي، خوفاً من أن يتعطّل سعيهم لتدبير مكانة لليهود، والتخلّص من العبء "الأخلاقي" الذي نجم عن اضطهادهم لهم.

ولهذا سوّقوا لفكرة "إسرائيل الديمقراطية"، وناصروا بلا تحفّظ أنظمة الطغيان في البلدان العربية، ومنعوا الحقيقة التاريخية عن شعوبهم في التعليم والصحافة والإعلام. وما زال قادة الغرب يرفضون التعبير عن أيّ شكل من أشكال التضامن الإنساني المحض مع الفلسطينيين، بينما لا يزال القسم المهيمن في الثقافة الغربية يرفض الحوار مع التيارات التقدّمية والإنسانية في ثقافتنا العربية، ويواظب على التشهير بالنزعة المتعصّبة ليصمنا جميعاً بها.

وفي غزّة لم يعُد الغش ممكناً، باتت المصطلحات وراء ظهور قادة الغرب، وصار تأييد "إسرائيل" والصهاينة هو المبدأ، ولهذا ترى منهم هذا التجاهُل، الذي نصِفه بالمروّع والمُخجل، للمذبحة التي يرتكبها الصهاينة.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون