الشخصية حين تشبهنا

30 يونيو 2023
مشهد من رواية "بطل من هذا الزمان" في رسم لميخائيل فروبيل، 1891 (Getty)
+ الخط -

في مقدّمة روايته "بطل من هذا الزمان"، قال الكاتب الروسي ميخائيل ليرمنتوف إنه أراد أن يصوّر إنسان هذا العصر كما فهمه، إذ أنّ ذلك البطل الروائي، في رأيه، إنّما يمثّل رذائل جيل بأكمله. كان الروائي الروسي، الذي عاش ومات شابّاً في القرن التاسع عشر، يرُدّ غاضباً على أولئك الذين انتقدوا طبائع بطل الرواية: بتشورين.

تشير المقدّمة إلى أمرين: الأول هو أن الشخصية الروائية قادرة على أن تكون ممثّلة لنفسها من جهة، ولجيل أو مجتمع من جهة ثانية. والثاني هو أن الاعتراض يؤكد هذا الرأي، على الرغم من أنه يحاول أن ينفيه.

يميل كثير من النقّاد الروس في القرن التاسع عشر إلى تأييد فكرة ليرمنتوف، ويصبح البطل الروائي ممثّلاً عامّاً للإنسان في المجتمع. وقد قيلت أفكار مماثلة عن أعمال بوشكين وتورغينييف ودوستويفسكي وتشيخوف، بالطبع. لكن، هل هذا مطابق لواقع الشخصيات البطلة في الروايات؟ وإذا كان الجواب بنعم، فإنّ السؤال هو: أيّ من الشخصيات يمكنها تمثيل المجتمع؟

منذ زمن ليرمنتوف حتى اليوم، ينقسم الناس في مواقفهم تجاه الشخصيات الروائية بين مَن يناصر تلك الشخصية، ومَن يعارض وجودها أصلاً، أو منطقها في الحياة، أو ينفي أن يكون ما تفعله أو تقوله صحيحاً وتعبيراً عن الواقع الذي يعيش فيه.

وفي كلا الموقفين يظهر يقين المجتمع من أن البطل الروائي تمثيلٌ فنّي - يصدُق أو لا يصدُق - للواقع. ولكن، لماذا يعارض المجتمع، أو شرائح أو فئات من المجتمع، الشخصيات الروائية؟ فبتشورين، بطل ليرمنتوف، فاسد وشرير وعديم الرحمة تجاه النساء اللواتي يحببنه، وكان على المجتمع أن يُدين سلوكه، لا أن يرفض وجوده، وذلك واحد من أشكال حضور الفنّ في الواقع، حيث يحتمل أن نجد موقفاً مضاداً، إذ يقبل المجتمع أو القارئ الشخصية في الرواية، ويرفض التعاطف معها في الواقع.

يقبل القارئ الشخصية في الرواية ويرفض التعاطف معها في الواقع

اللافت في الأمر أنّ الروائيّين يميلون إلى الاحتماء بالخيال من هجمات المجتمع، أو السلطة أحياناً، أو من اعتراضات هؤلاء ضدّ رواياتهم، أو ضدّ هذه الشخصية أو تلك. ثمّة حقيقة مطلقة في القول إنّ الشخصيات الروائية كائنات من ورق، وإنها وليدة المخيّلة وحدها. وإذا كان الروائي يستمدّ من الواقع بعض العناصر لبناء روايته، فإنّ شخصياته لا وجود مادّياً لها.

الطريف هو أن ليرمنتوف لم يكتف بالدفاع عن بطله الشرير، بل قال إنه يمثّل "رذائل جيلنا كلّه"، بمعنى أن الشخصية الروائية هنا قد استطاعت أن توجز، بطريقة فنّية، خلاصة فكرية وأخلاقية لاتجاه مجتمع في مرحلة زمنية ما من عمر تلك البلاد، وهي حقيقة أُخرى تُعيننا على فهم المنجزات الروائية العربية وغير العربية. 

ففي كلّ رواية عربية جيّدة ثمّة شخصية أو شخصيات عربية تُقرأ على أنّها تمثيل ما للمجتمع، خلاصة روح المجتمع أو اتجاهات التفكير في داخله، أو حالته العامّة التي يوجزها الفرد- الشخصية في الرواية؛ ومنها: كمال عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ، والطروسي في "الشراع والعاصفة" لحنا مينة؛ والأبرز، وأبو قيس وأسعد ومروان وكذلك أبو الخيزران في "رجال في الشمس" لغسّان كنفاني.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون