لنحو قرنين من الزمن، ظلّت العلوم الطبيعية في أوروبا تتطوّر على ضوء التصنيفات والنظريات التي جاء بها عالِم الطبيعة السويدي كارولوس لينيوس (أو كارل فون ليني؛ 1707 ــ 1778)، والتي دوّنها على وجه الخصوص في كتابه المرجعي "النظام الطبيعي"، الذي لم يكن في طبعته الأولى (1735) يتجاوز الإحدى عشرة صفحة، ليناهز عدد صفحاته الثلاثة آلاف في طبعته الثالثة عشرة (1770)، حيث عمل لينيوس على إغنائه طيلة هذه السنوات بما اكتشفه من نباتات وحيوانات وعناصر.
ورغم أن العلوم الطبيعية تميل، في المجمل، منذ نحو قرن، إلى المبادئ التي قال بها الأحيائي وعالِم الطبيعة البريطاني تشارلز داروين (1809 ــ 1882)، إلّا أنّ حضور لينيوس ما يزال واسعاً في الطبيعيات وما يتّصل بها من علوم، خصوصاً وأّنه المؤسّس للعديد من حقولها البحثية، مثل النظاميات، والتصنيف الطبيعي، فضلاً عن كون عشرات النباتات التي وصفها وصنّفها ترتبط مباشرةً باسمه، هو الذي كان أول من ابتكر مصطلح التنوّع الحيويّ.
عن "منشورات جامعة برينستون" في الولايات المتّحدة، صدرت حديثاً النسخة الإنكليزية من الكتاب السيَري "الرجل الذي نظّم الطبيعة: حياة لينيوس"، للأكاديمي السويدي غونار بروبيرغ (كان الأصل السويدي من الكتاب قد صدر عام 2019).
يقسّم المؤلّف كتابه إلى ثلاثة أجزاء يستعرض في فصول كلّ واحدٍ منها مرحلةً أساسية من حياته، حيث يعود الفصل الأول إلى الأصول العائلية المُتواضعة للينيوس، والتفاته مُبكّراً إلى كلّ ما هو متعلّق بالطبيعة على حساب التعليم الديني الذي أراده له والداه. هكذا سيغادر المدرسة الدينية إلى مدرسة مدنية، قبل أن يدخل الجامعة ليدرس الطبّ، الذي كان يشمل حينها، في "جامعة أوبسالا"، دروساً في التشريح وعلوم النباتات والصيدلة وغير ذلك.
ويُقارب بروبيرغ بين طفولة لينيوس وفلسفة جان جاك روسو، مُعاصِرِه، خصوصاً في اعتقاد كل واحد منهما بأنه "ابن الطبيعة"، وبوضع هذه الأخيرة في مقامٍ أعلى من كلّ انتماء ثقافي واجتماعي.
ويركّز الفصل الثاني على شباب العالِم ومرحلة نضجه (1741 ـ 1758)، متنقّلاً بين حياته الشخصية (زواجه وأسفاره وعلاقته بأهله) وبين بداية اشتغاله الأكاديمي، الذي كان يقوده طموحٌ أساسيّ يتعلّق بـ"وصف العالَم" وتوفير منهج لتصنيف كائناته وأشيائه، وهو ما سينتج عنه كتاباه الأساسيان، "نظام الطبيعة" و"أنواع النباتات"، الذي وصف فيه أكثر من 8 آلاف نبتة، وفق منهج سيسمّيه بـ"التسمية الثنائية"، التي تشمل كلمتين تحيلان إلى جنس ونوع كلّ واحدة من النباتات.
ويختتم المؤلّف كتابه بالحديث عن "لينيوس المسنّ، 1758 ــ 1778"، وهو عنوان فصله الثالث، الذي يقف على الاعتراف الذي ناله العالِم السويدي في العقدين الأخيرين من حياته، إن كان بين أقرانه من أكاديميّي ذلك الزمن أو من السلطة الحاكمة في بلده، والتي منحته صفة "النبالة"، هو الذي عمل مبكّراً (منذ 1747) طبيباً لدى العائلة الملَكية الحاكمة.