اسمها قصص... لا رواية!

اسمها قصص... لا رواية!

12 اغسطس 2023
منازل في هامبستيد لـ فرانسيس نيوتن سوزا (الهند)، زيت على قماش
+ الخط -

تلجأ بعض دور النشر العربية إلى طمس هوية مجموعات قصصية مترجمة تنشرها، من خلال تصنيفها كرواية، وفق ما تضع على غلافها الأمامي على نحو واضح. 

يرتبط هذا الخطأ المقصود بالتفاوت الكبير بين إقبال القرّاء على اقتناء الروايات وقراءتها، وسلوكهم المتوجّس في التعامل مع القصص القصيرة وإحجامهم عنها، في العالم بشكل عام، وفي البلدان العربية بشكل خاص، على الرغم من جماليات القصص وملائمتها لروح عصر السرعة الذي نعيش فيه وإيقاعه، نظراً إلى إمكانية قراءتها من دون حاجة إلى تتابع وتواصل يوميّين، قد لا يتيحهما تزايد المشاغل والأعمال تلبيةً لتكاثر احتياجات الحياة ومتطلباتها، إذ يمكن للقصص القصيرة (أو ذلك النوع الأحدث منها الذي سُمِّي القصص القصيرة جداً) أن تؤمّن لقارئها خروجاً سريعاً من العالم إلى عوالم متعددة وغير متوقعة تتضمّنها مجموعة واحدة، من خلال صفحة واحدة أو أربع صفحات مثلاً بالحد الأقصى.

هل في سلوك دور النشر خداع للقارئ العربي، الذي سيكتشف سريعاً أنَّ الفهرس الموضوع في بداية الكتاب ليس لعناوين الفصول بل لأسماء القصص؟ أم أنَّ هذا التمويه مفيد في تسويق المجموعات القصصية وإيصالها إلى القارئ، الذي يمكن أن يكون موقفه الرافض لقراءتها مبدئياً، غير مبني على تجربة سابقة، خاصة أنّ بعض هذه المجموعات متواليات قصصية، تتمتع بوحدة في الشخصيات الرئيسية ومكان وقوع الأحداث وزمانها، مع تعدّد هذه الأحداث عوض استمرار الحدث الرئيس وتفرّعه، ما يجعلها قريبة الشبه بالرواية؟

لا أعتقد أنَّ دور النشر الأجنبية تلجأ إلى هذه مثل هذه الخدع التسويقية الفجة من أجل زيادة عدد نسخ الكتاب المُباعة، وفي المقابل لا يختصّ هذا السلوك بدور نشر من بلد عربي واحد، كما أنّها ليست حديثة العهد، فهناك مجموعات قصصية صادرة قبل عقود تحمل وسم الرواية. 

ينحصر طموح القاص العربي في إيجاد ناشر ذي توزيع جيّد 

والمُلاحَظ أنّ عدداً من هذه المجموعات مدعومٌ من جهات ثقافية ومعاهد لغوية خارجية، تؤمّن لدار النشر العربية حقوق النشر بالحد الأدنى، ويمكن أن تتكفّل كذلك بدفع أتعاب المترجِم، وقد تتولّى الدعم وزارة الثقافة نفسها في بلد الكاتب المترجَم... وهي جهات لن يعجبها بالطبع أن تبدأ أخطاء الترجمة من الكلمة الأولى في أعلى الغلاف!

واللافت أنَّ كُتّاباً عالميين كباراً لم يشفع لهم اسمهم في الحفاظ على هوية قصصهم، وكمثال على ذلك نذكر مجموعة "أهالي دبلن"، أو "ناس من دبلن"، للكاتب الأيرلندي جيمس جويس، الصادرة عن دارَي نشر عربيتين في بلدين مختلفين وبترجمتين مختلفتين، حمل غلاف الطبعة الأولى عند دار النشر الأولى وسم رواية، قبل أن تصدر من دون تصنيف في الطبعة الثانية، كما هو حال طبعة الدار الثانية، وإغفال التصنيف حيلة أخف وطأة تلجأ إليها دور النشر للهرب من ذِكر الكلمة المرعبة ذات الأحرف الثلاثة.

وعلى الرغم من كل المشاكل السابقة، تبقى القصص المترجمة أفضل حالاً من القصص المكتوبة باللغة العربية، حيث ينحصر طموح القاص العربي في إيجاد ناشر فاعل ذي توزيع جيّد يوافق على قراءة قصصه قبل رفضها، حتى بوجود عوامل يُفترَض أن تكون مشجِّعة للنشر ومساعِدة عليه، مثل حصول المجموعة على إحدى المنح الأدبية التي تُغطّي تكاليف طباعتها، والتي تضمّ في لجنة تحكيمها عدداً من أفضل الأدباء العرب، تتمناهم أي دار نشر في لجنة قراءتها.

* كاتب قصة من سورية

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون