إتقان فنّ الصبر

01 يونيو 2024
طفل فلسطيني أمام مبنى دمّرته قوّات الاحتلال في رفح، 7 أيار/ مايو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فلسطين تواجه تحديات الاحتلال والاستعمار، مع تأكيد على أهمية المقاومة وعدم توفير الأمان للمحتلين، مشددًا على أن الحرية لا تُنال بالتوسلات بل بالنضال والتضحيات.
- المقاومة ضد الصهيونية تُعتبر جديرة بالثناء، مع التأكيد على أنها تقدم نموذجًا للتعامل مع الظلم والاستبداد، وتسلط الضوء على أهمية الصمود والتحدي في وجه الاحتلال.
- النص يعكس تجربة شخصية للكاتب مع القوة والمقاومة، مؤكدًا على رفضه للتنازلات والخضوع، ويبرز أهمية الثبات على المبادئ ودعم العدالة والمساواة، مع التأكيد على دور الفنان في تحفيز التغيير الاجتماعي والثقافي.

فلسطين باعتبارها منذ قرن ونيّف، وكراً للصوص، وغيرهم من الطفيليات، الذين ألقوا بالجثث المنسيّة لأجدادنا وآبائنا في حفر مجهولة مثل اللقطاء. أقولُ باعتبارها هذا وأكثر، يجب أن يحرصَ أهلُها، على ألّا تكون مكاناً مضيافاً لسارقيها.. ألّا تُوفّر لهم أمناً ولا راحة بال، وهكذا، دواليك، حتّى يرحلوا، مهما شحّ الزاد وأوحشت الطريق.

بغير هذا، لن تستقيم الأمور. بغير القوّة، لن يفهم اللصوص المسلّحون من قدم لرأس أيّ لغة أُخرى من مشتقات التوسّل. اللصوص كرمزٍ للانحطاط الثقافي والأخلاقي والبشري، في كلّ عصور الاستعمار، لا يفهمون إلّا لغة الخسارة وبهظ التكاليف.

المقاومة وحدها جديرة بالثناء. المقاومة التي تتعامل بندّية مع الصهيونية الخانقة والمضخّمة، والتي تتّسم بالعنف المفرط غير المُبرَّر. 

المقاومة التي تقدّم قصصاً أو أوصافاً مختلفة تماماً، ولكن بشكل غير متساوٍ، وبرؤى تتراوح من الاتفاق إلى الرفض فيما يتعلّق بالصحّة والسكن والسياسة والموت. لقد تمَّ تحليل هذا التأثير على نطاق واسع في السياقات المعرفيّة، طوال مسيرة التاريخ البشري، حدّ الوصول إلى خلاصات أكيدة: ما من شعب محتَلّ تحرَّر بالتوسّلات. ما مِن شعبٍ مُحتلّ تحرّر إلّا بالدم والدموع ومراكمة الخسائر والانتصارات الصغيرة والصبر وإتقان فنّ الانتظار.

■ ■ ■

الحمد لله. إنّي لأشعر أنّ ظروف الحياة التي حصلت عليها (والداي، جذوري، والعيش في مخيّم لاجئين معدم) مَنحتني كلَّ الفرصة لأكون قوياً. بالطبع هناك أوقات أشعر فيها بالكسر، ولكن عندما يبدو أنّه لم يبق شيء، أتذكّر كيف كدحت في الطفولة، فالفتوّة، فالمراهقة، فالشباب، فالكهولة، وبناءً على ما مضى من كتاب العمر، أجد القوّة كامنة وكاملة، حيث لا يوجد أيّ سَند حقيقي.

المقاومة التي تتعامل بندّية مع الصهيونية وحدها جديرة بالثناء

لهذا السبب، من ضمن أسباب معرفية أُخرى، أنا لست هنا لإرضاء أيّ شخصٍ أو نظام أو مؤسّسة. هنا فقط لإثارة شيء ما يتعلّق بمستقبل أفضل للبشر، وبالقيم العليا لسيرة ومسيرة الإنسان.

لا تنازُل عن مبدأ طبقي، ولا خضوع لمال أو منصب. إنّ مهمّة الفنّان هي زعزعة الأسس الثقافية والشخصية. قد يكون هذا غير مريح لمن يرغبون بالسلامة. قد يكون لمن لا يجدون حرجاً في استقرار الراحة كلاماً عفا عليه الزمن. لا يهمّ. إنّ شخصيتي الأُولى أثرت عليّ للأبد.

لكنّي أشعر بالقوّة بداخلي، مهما تستشيط العواصف والنوائب. وأعتقد أنَّ مهمّتي هي نشر هذه القوّة بين سواد الناس، بمنأى عن بعض شريحة المثقّفين من باعة الضمائر، مقابل فتات المال ذي الرائحة، وديدنهم أنّ "القبول" هو وظيفة مدى الحياة.
نعم: كلّما كبرت، زهدت حتى في الضروريات. كلّما شخت، وثقت بمبادئي الأُولى أكثر. 

كلما طوّفت في آفاق القارّات، أصبح الأمر أكثر وضوحاً: أنا مع المظلوم ضد الظالم: مع الفقير ضدّ الغني، وهلمّ جرّا.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

 

المساهمون