استمع إلى الملخص
- الغرب خدعنا بالحداثة والتنوير، لكنه يعود الآن إلى عنفه الاستعماري في فلسطين وأماكن أخرى، مسبباً الخراب والجوع والفقر.
- لن يزول شر الغرب إلا بوجود قوة تعادله أو تتفوق عليه، ويجب علينا أن نعد لهم ما استطعنا لمواجهة هذا الظلم المستمر.
كيان الاحتلال لم يتغيّر منذ نشأ، وبقواعد واضحة: القتل من أجل القتل. اليسار الصهيوني المقنّع أسّس الكيان بالقتل، واليمين يواصل المسيرة دون أي قناع. لا جديد تحت شمس الصهاينة، إلا أوهام المطبّعين.
كان هذا الكيان وسيظل نسخة مصغّرة عن عتاة المجرمين الإنكليز الذين أسّسوا أميركا على دماء 117 مليون مواطن من السكان الأصليين، وعلى جبال من جماجمهم. الكيان سيتغيّر فقط عندما تتغير أمّه أميركا، وهذه لن تتغير إلّا بالردع وإعمال القوة. بغير هذا، لن نرى جديد المستعمرتَين، وستظلّ فصول التاريخ تُعيد نفسها بشكلَي ماركس: المهزلة والمأساة. المهزلة من داخل المستعمرتين، والمأساة تصدرانها للخارج الأضعف منهما. الغربي إن لم تكن ندّاً له في القوة، مسحك عن ظاهر الأرض.
الغرب الذي خدعنا طوال قرن من الزمن ونيّف، عن طريق الحداثة والتنوير: الثقافة والفنون، حتى بات مرجعنا الأعلى في كل شأن، ها هو يعود إلى عنفه الاستعماري العاري، كاشفاً عن وجهه الحقيقي، في فلسطين اليوم، بعد أن نكّل أمس (وما زال) بالأبرياء في أفغانستان والعراق وسورية، واليمن وفنزويلا، ففرّقهم أيدي سبأ، قتلاً وحصاراً وهجرات.
ليس كثيراً على من تأسّس عرشه على الظلم أن يواصله مصلحةً وهيمنة
كل خراب في العالم يكمن وراءه الغرب. كل عدم استقرار وجوع وفقر وراءه أنظمة الغرب. كل تغريبات جنوب العالم وراءها الغرب، ولن يزول شرّه إلا بوجود قوة تعادله أو تتفوق عليه، إن لم يكن اليوم فغداً أو بعد غد. محكومون سنحيا بهذا الغد، وإن غداً لناظره قريب، ولو ظنّوه بعيداً. أما الذين ما فتئوا مخدوعين بالغرب بعد إبادة غزّة ومبانيها، فنقول لهم ما قالته ألسنة شعوب كانت تصرخ من قبل تحت جنازير الوحش: تعالوا انظروا الدم في الشوارع.
تعالوا انظروا الطفل يدفن بأعضاء ناقصة كثيرة.
تعالوا انظروا أحدث تكنولوجيا القتل تحوم في سماء الأنبياء.
تعالوا انظروا الفيزياء الفلكية للجنون.
ولا تقرأوا ما يكتب الغرب في صحفه الكبرى وإنتاج مطابعه.
هؤلاء وحوش الكوكب، ولأن المومس أكثر كائن يتحدّث عن الشرف، فقد قدمت تلك الوحوش وجهها الكذوب للعالم بأضخم كم من طبقات المكياج وأنواعها. لقد أعاد الأميركان اكتشاف أنفسهم في قطاع غزّة، بعد أن حوّلوا افتقارهم إلى ذرة صدق في القول والعمل، من جرائم عظمى، إلى موهبة تخصّ البيض.
ليس كثيراً على من تأسّس عرشه على الظلم وكان مقرًّا للظلم، أن يواصل هذا الظلم كلما تطلّبت المصلحة والهيمنة. الكثير هو أن نواصل موتنا منذ قرون، وألّا نعد لهم ما استطعنا، وأن نصمت على إبادة كل يوم وساعة، كأننا موتى لا يردّون خبرًا.
الكثير والمرير أن نتطبّع مع المقتلات، معلّلين الأمر بعجزنا وهواننا على الغريب، بينما حكامنا يوغلون في الدم الطاهر، حلفاءً للاحتلال، ويمدّونه بما يحتاجه في السر والعلن.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا