أحضرتُ كنزاً لي من الغرق

07 اغسطس 2022
إرنستو إريديرو دل كامبو
+ الخط -

كانت سراويلُ تسيرُ فارغةً في الشارع.
قمصان - خاويةً - تحرِّكُ أكمامَها.
دخلت بعضُ هذه الملابسِ أحد المتاجر
لتشتري أناسًا ترتديها.


■■■


ما مِن مسافةٍ في الحُلمِ
كُلُّ شيءٍ بعيدٌ.

ما أشهى
ألّا توجد في أيّ مكانٍ
ألّا تكون أحدًا
أن تكونَ حُرًّا، أن تسكُن
أرض النزوات والأحلامِ الباهتة
التي لا شيء فيها يُفهم.
   
حيث يبدو أنّ كلّ شيءٍ يُحدِثه القدَرُ
حيثُ ينمحي الماضي أو يتشوَّشُ
حيث يتلاشى الزمنُ
حيثُ لا يُعرفُ أحيانًا
أنّ الحياة بهذا الحُزن.


■■■


"سيُقالُ إنني أشربُ. أتذكَّرُ".
غاستون باشلار

انتظرتُ ساعتي بصبرٍ:
الانتظارُ هو تركُ الوقتِ يمرُّ.

إحباطاتُ هادمِ اللذّاتِ
مُكدَّسَةٌ في قلبي،
هي وإنجازاتُ الخاسرِ.
أملُّ من الحكاياتِ، والناسِ،
وروتينِ الحياةِ الريفيِّ.
يتفاداني الواقعُ بلُطفٍ.

تمرُّ الساعاتُ كباصاتٍ:
كُلَّ وقتٍ مُحدَّدٍ.
قد تكون الكتابة علاجيَّة
لكنّ هدمها كان شيئًا أكثر:
نظافةً محضة.

كنتُ أكتب القصائد
لأكتشف حياةً في خدمة لُعبة
لم يصلح فيها سوى الخسارة.


■■■


كان عقلي غابةً محترقةً.

عاد الوباء، واحتفلنا به جميعًا.
نشربُ، وكيف نحتفل دون ذلك؟
حجَجْنا في غاباتٍ من الحجر،
وعبرنا جسورًا مُتهدِّمَةً.
القتلُ هو تسليةُ البشر.


■■■


فوضى الحديقةِ التي يتجوَّلُ فيها
أولئك الذين تحوَّلوا إلى ما لم يريدوا أن يصيروا.
طيورُ هذه الحديقةِ تشكو الزمنَ
وتنامُ قليلًا.
في هذه الحديقةِ يموتُ الأطفالُ ويولدُ العجائزُ.
تحت مطرٍ ليليٍّ يجهلُ لُغتَه الجميع.


■■■


سأعيشُ بعد الألمِ،
بعد حدودِ الصفحة.
كأنَّه من المُمكنِ التجوَّلُ
دون ثِقَلِ الألم، والعودةُ
إلى قامَتي، وإلى النُور الذي يخُصُّني.

أحضرتُ لي من الغرقِ كنزًا مشكوكًا فيه
أراقِبُه الآن في صمتٍ وأنا أفكِّر أنّ لا أحد - ولا حتى المسيح - 
اعترفَ بهزيمةٍ لن تستحيلَ نصرًا.


■■■


لا أميِّزُ أفكاري من جراحي.

طيورًا بيضاءَ دائخةً،
غابتِ التفاصيلُ في البالوعاتِ.
حُطامَ خطابٍ مُهلوسٍ ومؤلمٍ،
يرتعشُ الصباحُ الطويلُ والفارغُ.

تعلَّمتُ كراهيتي
كما يتعلّمُ آخرون العيش.
الآن، جالسًا على كنبةٍ قديمةٍ،
أنتظرُ أن تتوقَّفُ الحوريَّاتُ عن الغناء.
والأبياتُ التي أكتبُها على الحوائط قبل أن أذهب للنوم في الصباح
هي فُتاتُ الخبز التي أتركُها شَرَكًا لضياعي.


■■■


حين عرفتِني كنتُ أنا البطلَ
الذي يطلقُ النارَ سكرانَ على متسابقي التلفزيون بكلاشنكوف.
بعدها غرقتُ في مياه ذكائي،
ذلك المحيطِ المستَنْزَفِ والليليِّ
الذي لا يتوقَّفُ فيه المطرُ.

الآنَ أنا مَنْ قد عبرَ سنواتٍ من الشتاءِ
ويسيرُ نحوَ الفجرِ مادًّا إليكِ يده.


■■■


كان الصمتُ نشيدي
ووطني المسافةَ.
الشمسُ - قاسيةً - 
تربِّتُ على البشر السُّعداء
وتعانقُ البؤساء.


■■■


حتّى الثلاثين من عمري لم أتعلَّم
الفقد، والازدراء، والتهكُّمَ،
كُلّ ما يجرحُ بالمجّان.

الآن أضعُ الجراح لتتشمَّسَ
في نور المساءات الخالية المضيء.

■■■

مزمور أخير

إلهي إنّني أعرف خطيئتي،
وأعرفُ الصدأ الذي تخلِّفُه بين الأصابع وتحت اللسان.
يمنحُ الربُّ الإيمانَ والأملَ
لهذه الحياة التي دمَّرها الجمالُ الهشُّ.
امنحني التواضُعَ لا الذُلَّ،
واجعل ألمي نافعًا.
امنحني شخصيَّةً وحنانًا،
وقبِّلني على جبهتي
لأنَّني أنزفُ
دمًا لا يُخلِّصُني.
 
إلهي امنحني اليقينَ
أرضًا أطؤها،
فإنَّني طوالَ حياتي أبحثُ،
ولا أشربُ سوى من عطشي
ولستُ أثبَتَ من الهواء.
ليس لي ما أُمسكُ به
فكلّ شيءٍ من نار.

إلهي امنحني دقيقةَ سلامٍ.
اجعلني قادرًا على الحُبِّ مرَّةً أُخرى.
احمِني من غضب الساعات،
واغسِلْ رمالَ خطاياي المُظلمة.

احمِني من نفسي
وأَعِنِّي على الفَهْم.


* ترجمة عن الإسبانية: أحمد محسن غنيم 



بطاقة

Ernesto Heredero del Campo شاعر إسباني وُلد في بلد الوليد (1977). درس الفلسفة ثمّ التحق بالسلك الدبلوماسي. رغم بدئه الكتابة والنشر مبكّراً، إلّا أنه تأخّر في نشر الكتب، والقصائد المترجمة هنا هي من ديوانه "إعياء" (2017).  يُعرّف عن نفسه بمقولة برتراند راسل: "ثلاث عواطف، بسيطة ولكنها بليغة، تحكّمت في حياتي: الشوق إلى الحب، والبحث عن المعرفة ورحمة الإنسان". 

المساهمون