في العاشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر 1957، اختطفت السّلطات الاستعمارية الفرنسية الشاعر الجزائري محمد الأمين العمودي (مواليد 1891)، الذي كان أوّل أمين عام لـ"جمعية العلماء المسلمين". عُرف العمودي، بنشاطه الإصلاحي والسياسي، لكنّه لم ينخرط، بشكل مباشر، في الثورة التحريرية. ومع ذلك، فقد عُثر عليه مقتولاً في منطقة لَعْجيبة بالقرب من مدينة البويرة شرق الجزائر العاصمة، بعد أيّام قليلة من اختطافه.
لم يكن العمودي الكاتب الجزائريّ الوحيد الذي عمد الاستعمار الفرنسيّ إلى اغتياله؛ إذ يمتلئ سجلّ الأخير بكثير من الجرائم التي ارتكبها ضدّ كتّاب ومفكّرين وفنّانين جزاء التزامهم بقضيّة الاستقلال، بدءاً بالسجن والتعذيب والنفي، ووصولاً إلى التصفية الجسدية التي طاولت كتّاباً من بينهم: أحمد رضا حوحو (1910 - 1956)، والربيع بوشامة (1916 - 1956)، والعربي التبسّي (1881 - 1957)، وعبد الكريم العقّون (1918 - 1959)، ومولود فرعون (1913 - 1962).
تحت عنوان "استذكار الأدباء الشهداء"، أُقيمت، قبل أيّام، ندوةٌ ضمن فعاليات الدورة الخامسة والعشرين من "معرض الجزائر الدولي للكتاب" التي تُختتم في الجزائر العاصمة الجمعة المقبل، استعاد فيها باحثون وأكاديميّون هؤلاء الكتّاب الذين لفت مُقدّم الندوة، الشاعر والأستاذ الجامعي، حميد بوحبيب، إلى بعض النقاط المشتركة بينهم؛ مثل اغتيالهم وهم في ريعان شبابهم، وانفتاحهم على الآخر؛ إذ كتب معظمهم بالعربية وبلغة المستعمر أيضاً.
كتّاب جزائريّون من الجيل الأوّل دافعوا عن الشخصية الجزائرية
في مداخلته، وصف الكاتب والأكاديميّ أحمد حمدي اغتيال هؤلاء الكتّاب بأنّه "إرهاب دولة"، مُضيفاً أنّ السلطات الفرنسية خطّطت للاغتيالات ونفّذتها من خلال منظّمات إرهابية؛ مثل "منظّمة الجيش السرّي" و"اليد الحمراء"، معتبراً أنّ من الضروري فتح الأرشيف المتعلّق بهذه الاغتيالات التي "استهدفت كتّاباً جزائريّين من الجيل الأوّل، دافعوا، من خلال نصوصهم، عن الجزائر والشخصية الجزائرية، كما أسهموا في الحفاظ على اللغة العربية".
واستعرض حمدي جوانب من مسيرة كلّ من هؤلاء الكتّاب؛ فالربيع بوشامة كان له دور كبير في صياغة تقرير بعثة الجزائر إلى الأمم المتّحدة، والذي أثار حفيظة الفرنسيّين وقرّروا الانسحاب من الجلسة، مُضيفاً أنّ اسمه أُدرج في قائمة الاغتيالات بعد تلك الحادثة، أمّا رضا حوحو، فـ"كان مثالاً للمثّقف التقدّمي الذي يحمل مشروعاً فكرياً وحضارياً رائداً"، مشيراً إلى أنّ روايته "غادة أم القُري" (1947)، التي تُعدّ من الإرهاصات الأولى للرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، تُظهر مناصرته لحقوق المرأة، قبل ظهور الحركات النسوية الحديثة، داعياً، في ختام مداخلته، إلى إحياء تراث هؤلاء الكتّاب، وخصوصاً عبد الكريم العقّون الذي قال إنّه لم ينل حقّه من الاهتمام.
من جانبها، تطرّقت الأستاذة الجامعية فازية فرعون إلى اغيال والدها، مولود فرعون، من قبل "منظّمة الجيش السرّي" في باريس عام 1962، قبل أشهر قليلة من استقلال الجزائر، مُضيفةً أنّ أعماله تناولت الحياة الاجتماعية في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية، مُشيرةً إلى روايته "مدينة الورود" التي ألّفها عام 1958 وصدرت بعد رحيله، معتبرةً أنّ الرواية هي بمثابة وثيقة تاريخية حول وضع الجزائريّين خلال الثورة التحريرية.
أمّا الأكاديمي محمد شريف اغبالو، فقال، في مداخلته، إنّ فرعون دافع، في كتاباته، عن الشخصية الجزائرية، وثمّن التراث المحلّي، مقدّماً بذلك أعمالاً مضادّة للخطاب الاستعماري.