عامل المقسم الهاتفي يتلصص

03 مايو 2019
+ الخط -

كان السبب الرئيسي لفتح سيرة وسائل الاتصال في إحدى جلسات "الإمتاع والمؤانسة" هو انشغال الحاضرين بموبايلاتهم، حتى لم يعد في السهرة أي حديث مشترك، ومن ثم لم يعد بيننا (إمتاع) ولا أي نوع من (المؤانسة).. وقد أخبرتكم أن أبو الجود حل المشكلة بأن جمع موبايلاتنا في قفة، وأخرجها من مكان السهرة، وقال: لما تنصرفوا كل واحد ياخد موبايلو من القفة اللي بره.

قال الأستاذ كمال: قبل أيام سافرت إلى إسطنبول، وهناك رأيت العجب. الحقيقة أن هذه المدينة لا يوجد مثلها في العالم من حيث الاكتظاظ بالسكان. مين بيعرف شقد كان عدد سكان سورية قبل أن يشن ابن حافظ الأسد حربه علينا؟

قلت: حوالي 22 مليون نسمة.

 

قال: إسطنبول فيها نفس الرقم تقريباً، وبالنسبة لمجمل سكان تركيا إسطنبول فيها 25%. ومنشان يتمكن كل هالناس من التنقل من مكان لمكان ويروحوا على شغلُنْ بَنِتْ الدولة شبكة مواصلات جبارة، أبرزها الميترو والميتروبوس والترامواي بالإضافة للباصات والتكاسي والسفن الصغيرة التي تنقل الركاب بين الآسيوي والأوروبي.. والملفت للنظر إنو لما إنت بتكون راكب في وحدة من هالوسائط بتشوف كل راكب حاطط السماعات في أدانيه، وفاتح موبايلو ومبحّر فيه، وعايش في عزلة تامة عما حوله.. يمكن هالشي يكون مو منيح، بس أنا بشوف أنو بالعكس، منيح كتير، لأنه بيخلي الإنسان ما يحس بطول الوقت لبينما يوصل على شغلو.

قال أبو أحمد: الشريحة تبع الموبايل اللي هيي أزغر من طابع البريد عبارة عن كومبيوتر متكامل، ولما إنت بتوصل موبايلك بالإنترنت بيصير في إمكانك تقرا جريدة، أو تسمع أغنية، أو تشوف فيديو، أو تتواصل مع حدا بالماسنجر أو الواتس أب أو الفايبر.. وممكن تفتح لعبة وتتسلى فيا.. 

قال أبو محمد: أنا الموبايل اللي عندي بس بيحكي مكالمات. لأني ما بعرف أسوق على الموبايل اللي إلو الشاشة.

قال أبو الجود: أنا كمان موبايلي بلا شاشة، ولحد هلق ما تعودت عليه، وكتير أوقات بتركوا في البيت، ولما مرتي بتدق عليّ منشان تطلب مني طلب، بتسمع موبايلي عم يرن جنبا، فبتصير تبربر وتقول إنو أنا ما بشيلو عن قصد حتى ما جبلا طلباتا.

قال أبو جهاد: لو كان موبايلك معك واتصلت فيك وطلبت منك شي يعني راح تجيبلا طلباتا؟

قال أبو الجود: والله يا سيد أبو جهاد الأعمال بالنيات. وأنا دائماً عندي نية أني أجيب لمرتي وولادي كل طلباتُن. لاكن بما أني مفلس ع الحديدة ما بحسن حقق هالشي. والحمد لله على كل حال.

قال كمال: خلونا نرجع لسيرة الهواتف اللي كانت متوفرة قبل ثورة الاتصالات الكبرى. حكى أبو مرداس أنو كان عندن في البيت في تلفون، لاكن ما بيستعملوه في السنة مرة.

قلت: عدم الاستعمال ينتج عن عدم الجدوى. يعني إذا إنت مثلاً طلبت المقسم حتى يوصلك مع واحد من الأشخاص القلائل اللي عندُنْ تلفون، ممكن كتير عامل المقسم يكون مطلِّع الكرسي تبعو برات غرفة المقسم، وعامل كاسة شاي وقاعد عم يتسلى مع حدا من رفقاتو، وإذا فرضاً هو رد عليك وحاول يوصلك مع الرقم المطلوب، في احتمال كبير أن الجماعة اللي عم تطلبُنْ ما يسمعوا جرس التلفون، لأنو ما في بالعادة حدا يطلبهم. وفي المحصلة أنت أشو بتقول لحالك؟

قال كمال: بتقول لحالك إنو المسافة بيني وبين الشخص اللي بدي أطلبو بالتلفون كلها عشر دقايق، إذا بروح بدق عليه الباب وبحكي معو بيكون أحسن. إضافة لأنك لما بتشوفو بتحكي معو من راسك لراسو ومن دون ما يسمعك عامل المقسم، وكان في البلدة يومها إشاعات كثيرة عن عمال المقسم الذين يتلصصون على مكالمات الناس. 

للحديث صلة  

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...