29 ديسمبر 2019
من أين ستأتي فرحة "القضاء على داعش"؟
أتفهَّم تماماً فرح الأهالي، وأي فرحٍ، في منطقة الجزيرة باندحار هذا التنظيم الاستيطاني الذي قتل الناس بسبب سيجارة، وحوَّل نساءً إيزيديات إلى "سبايا"، وحاول حرفياً العبث بالزمن، وإرجاعه إلى الوراء.
ولكنّ، شخصياً، ليس لديَّ أيّ شعور فرح بموضوع "القضاء على داعش". داعش ليس مشكلة عسكريَّة وأمنية فحسب، يحلّها تحالف دوليّ تشارك فيه دولٌ تشبه داعش، وإعلان الإدارة الأميركية السخيف حول "نهاية التنظيم" لا ينمُّ سوى عن جهل واستخفاف.
داعش تولَّد نتيجة حرب أميركيَّة فاشلة في العراق، أدَّت إلى هيمنة الشيعية السياسية المدعومة من إيران، والتي انتقمت من النظام القديم بشكلٍ طائفي. داعش هو ثمرة تعثّر الجولة الأولى من الربيع العربي، وتحوّل حلم التغيير في سورية إلى حربٍ دمويَّة عالمية، والموقف الأوبامي المعروف من نظام الأسد. طبعًا، إضافة إلى المشكلة الثقافيَّة الصلبة المعروفة، والموجودة في الإسلام السياسي نفسه. داعش هو أعقد بكثير من أنْ يتم القضاء عليه بـ"طائرات بدون طيَّار". لمَ أصلاً وصلنا إلى مرحلة خيّر فيها الناس بين "داعش" و"روجافا"؟ "داعش" ربّما سيصمت عسكرياً، ولكنّ أسباب انبعاثه وعوامل تشكّله لا زالت موجودة.
أنا من منطقة الجزيرة، وأعرف عرب المنطقة الذين يصفهم البعض، الآن، بأنَّهم "حاضنة لداعش" جيّداً. أي بيتٍ تطرقُ بابه في دير الزور أو الرقة أو القامشلي، ستفتح فيه النساء لك الباب، وسيقمن بضيافتك، ودعوتك للدخول، حتَّى لو لم يكن هنالك رجال في المنزل. نادرًا ما تخفي النسوة وجوههن عن الرجال في الجزيرة. الإسلام في الجزيرة هو إسلام اجتماعي بسيط، تصلّي فيه النسوة في الصيف في فناء البيت صلاة المغرب، ويرفعن أصواتهنَّ بالدعاء لأولادهنّ العمال الذين يعملون في دمشق أو لبنان. وتسمع تمتمة عجوز كرديَّة، بَصَمت القرآن حرفياً دون معرفة معناه، وتردّده بلكنة كرديَّة في غاية الجمال.
لا يوجد أحد هو حاضن لداعش في الجزيرة، الحضانة الوحيدة هي للخيبة وقلّة العدالة وفقدان الأمل.