الفنّ لا يرأب الصدوع السياسية

14 يوليو 2018
+ الخط -
(ما الحلّ)
وزير الداخليَّة الألمانيّة الحالي، سيهوفر، قالَ في مؤتمر صحافيّ متباهياً إنَّه في عيد ميلاده الـ 69 تم ترحيل 69 لاجئاً أفغانياً إلى أفغانستان. في عيد ميلاد الأخ، تم ترحيل 69 شخصاً إلى الموت. جميل. الأخبار قايمة قاعدة في هذا البلد حول اللاجئين. الكلُّ يسأل: "ما الحلّ معهم؟". جثثٌ لا مساحة لها للدفن، وجيف خرجت رائحتها، والكلّ محتارٌ بشأنها. كشفت آخر استطلاعات للرأي أنَّ نسبة AFD زادت أيضاً، وكلّ الأحزاب تسأل: "إلى متى؟". اتفقت الأحزاب على إنشاء شيء سمّته "مراكز عبور"، من أجل ترحيل الناجين من الغرق فورًا، وعدم السماح لهم بدخول الأراضي الألمانيَّة. تغيّرت التسمية لاحقاً، وصارت "نقط ترانزيت"، وهي مبانٍ شاحبة ستكون مُسيّجة بأسلاك كهربائيَّة، وتحرسها شركات أمنيَّة خاصَّة، غالباً يعمل فيها لاجئون سابقون "فشلوا في الاندماج".

ثمَّة مفارقة، وهي أنَّ غالبيَّة من يعملون في الشركات الأمنيَّة الخاصة التي تقوم بحراسة كل المباني والمقرّات الخاصة باللاجئين، هم لاجئون سابقون! فلسطينيون هاربون من الحرب الأهليّة اللبنانية، وشبان من الجيل الثاني من العمال الأتراك، وأفغان محظوظون. لاجئون يحرسون لاجئين. النمسا رفضت "مراكز العبور"، لأنَّ الحمل الأكبر سيقع عليها. وقالت أيضاً: "لنبحث عن الحل". 
صحيفة الـ"Die Welt" نشرت مقالاً بأنَّ لقاء لاعب كرة القدم الألماني من أصول تركية، مسعود أوزيل، مع أردوغان كان له دورٌ كبير في عدم بذل أوزيل الجهد الكافي في كأس العالم. وقال اللاعب السابق بيرهوف إنَّ مشاركة أوزيل كانت خطأ، وكان يجب استبعاده. وأشار رئيس الاتحاد الرياضي الألماني إلى أنَّ عليهم التحقق من التزام أوزيل بقيم الفريق الألماني. الفريق الألماني لديه قيم أيضاً، ويجب الاندماج بها. وأردوغان سبب فشل ألمانيا الرياضي! 
الحل بسيط يا جماعة، قوموا بإعادة إعمار المقرّات الأمنيَّة، وسلّحوا الجيش السوري جيّداً بالأسلحة الكيماويَّة، ومدّوا الدكتور بشار الأسد بأدوات فتك فعالة، واحرصوا على ألا ينفذ منه أحد.

(عن التقارب "المطبخي")
ثمَّة نمط من المواطنين الإسرائيليين الشباب المنتشرين في برلين، الذين يريدون حلَّ ما يسمّوه بـ "الصراع مع الفلسطينيين" بالحب والسلام والموسيقى والطبخ والفتّوش والحمّص والرز بلبن. تلتقي بنموذج من هذه العيّنة، وتقول له إنّك من سورية، فيدمَع ويفرح ويصيح، ويشتم الحرب والسياسة والقوميَّات. ويقول إنّه يعشق سورية وأرضها وصباح فخري، وإنَّه يحلم أن يقود سيَّارته من تل أبيب إلى دمشق، مرورًا بدرعا وسهول كسب وصلنفة وكل المعالم السياحية المذكورة في برنامج "دليل سياحي" على التلفزيون السوري. للأسف، ثمَّة سوريون تورّطوا في مشاريع موسيقيَّة وغير موسيقيَّة مع إسرائيليين يحملون هذا الاتّجاه في التفكير، والذي تقوده وتدعمه مؤسسات ونخب تحاول غسل إسرائيل معنوياً في الغرب. طبعًا، إذا ناقشت غالبيَّة هؤلاء الشباب الإسرائيليين بقضايا جديَّة، كالاستيطان والاحتلال وحصار قطاع غزّة وخدمة الجيش وقتل المدنيين وتهويد القدس، فستلاحظ، غالبًا، أنَّ رأيهم السياسي المباشر لا يختلف عن النزعة السياسية العنصريَّة السائدة في إسرائيل (لا فرق بين اليمين واليسار في القضايا المحورية بإسرائيل). ثمَّة صدوعٌ في قضايا سياسيَّة جذريَّة، لا يمكن لأي التقاء جمالي فنّي أنَّ يرأبها. نلتقي فنياً و"مطبخيّاً" حين تعطيني موقفًا واضحًا وصريحًا وعلنيًا من القضايا السياسيَّة العالقة. غير ذلك، فهذا نصب. وبهذه المناسبة، نوجّه تحيّة إلى المؤيدين لنظام بشار الأسد في المنطقة، والذين يحرصون على عدم التقرّب من المعارضين لا "مطبخياً" ولا فنياً. بل يمارسون الموقف الأخلاقي الأقرب إلى اصطفافهم السياسي: أي الدعوة إلى إبادة الناس.
دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسم المدوّنات وموقع "ضفة ثالثة".

مدونات أخرى