من حكايات أبو صطوف الهزلي

07 مارس 2018
+ الخط -
خلال وجودي في بلدة الريحانية التركية، أواخر سنة 2012، عرفني بعض الأصدقاء بالعم أبي صطوف من بلدة (ميم) التابعة لمحافظة إدلب، وأوضحوا لي أنه يُعْرَفُ أحياناً بلقب الزهراوي، وأحياناً بلقب "الهزلي"، وشجعوني على مجالسته والاستماع إلى حكاياته الطريفة.

دعوته، ذات مرة، إلى منطقة في جنوب الريحانية فيها شلالات أطلق عليها السوريون اسم (البركة)، وخلال الجلسة تبادلنا الكثير من الأخبار والحكايات، ومنها الحكاية التالية..

قال لي:
- في الأشهر الأولى للثورة، يا أستاذ، كان معظم الناس في بلدتنا قد أصبحوا مع الثورة، إما إيماناً بها واقتناعاً بحتمية تغيير النظام الاستبدادي، أو خوفاً من الثوار الذين أصبحوا مسيطرين على البلدة، وأصبح لهم شوكة وسطوة.

وكان الاستثناء الوحيد من هذه الحالة هو عائلة جاري في الحارة "أبو إبراهيم الإكنجي" الذي بقي مؤيداً لنظام الأسد، وتعرض بسبب هذا التأييد لأكثر من اعتداء من قبل الشبان الثائرين، وكنت أنا أمنعهم من إيذائه، على أمل أن يأتي يوم ويغير موقفه.

قلت: يعني هو كان مستفيداً من النظام؟
قال: أبداً، لم يكن مستفيداً، بل العكس، فقد كان هو وزوجته وأولاده يعانون من التهميش وقلة الدخل وانعدام القيمة، إلا أنهم كانوا شديدي التأثر بالخطاب الإعلامي السوري الذي كان يصف ما جرى في سورية بأنه مؤامرة على محور الممانعة الذي يقوده بشار الأسد وحسن نصر الله ووئام وهاب، وكانوا يجاهرون بحبهم للنظام، حتى إن ابن أبي إبراهيم الأوسط "فادي" كان يضع صورة حافظ الأسد وباسل الأسد وماهر الأسد التي كتبت تحتها عبارة (هكذا ينظر الأسود) كبروفيل على حسابه في فيسبوك..

وفي ذات يوم تعرضت البلدة لقصف عشوائي عنيف، وأصابت إحدى القذائف منزل "الإكنجي"، فهدمت حائطاً بين غرفتين، إضافة إلى الشرفة الغربية الجنوبية من المنزل.. وبعد انتهاء القصف، تجمع أهل البلدة، كالعادة، حول المكان الذي أصابته القذيفة، وبالمصادفة كان ثمة رجال من مدينة سراقب موجودين في بلدنا، فجاؤوا إلى المكان، وسألوني عن البيت المضروب، وسكانه، فشرحتُ لهم الموقف قائلاً:

- هنا، في الغرفة التي تلي الشرفة، في لحظة سقوط القذيفة، كانت تنسيقيات الثورة في ناحيتنا مجتمعة كلها عند أخينا أبي إبراهيم، وفي المطبخ كانت أختنا أم إبراهيم توعي جاراتها من الانجرار وراء هذا النظام المجرم.. وأما أبناؤه فكانوا يتدربون، مع أقرانهم، على قتال الشوارع في الغرفة الثانية التي اخترقتها القذيفة..

استغرب الرجال وقال أحدهم: يعني النظام صاير بيعرف أعداؤو منيح؟
فقلت له: لا، مو هيك القصة.. هو أخونا "أبو إبراهيم الإكنجي" صاحب البيت المقصوف ليس عدواً للنظام، ولكنني أعتقد أن النظام قصف بيته بحسب الموانة، لا أكثر.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...