كلك ذوق يا أبو حافظ

15 مايو 2017
+ الخط -
يزورُ بعضُ الأصدقاء صفحتي الفيسبوكية ولديهم فكرة مسبقة عني مفادُها أنني أديب، والأديب، في نظرهم، يجب أن يكون مؤدباً، وهذه عبارة كان الأخ رياض شحرور أبو وصفي يرددها في أحد مسلسلاته التلفزيونية. والأفضل، برأي بعض الزوار، أن يكون الأديبُ خجولاً، متل بنت البيت، يحسبُ ألف حساب للجملة التي يكتبُها، خشية أن تؤذي مشاعر شخص ما، أو "تخدش" حياء شخص آخر.. وإذا ذُكرت أمامه مفردةٌ، أو جملة بذيئة، يصبحُ وجهه مثل الشوندرة المسلوقة، ويتمنى من الله أن تنشق الأرض وتبلعه من شدة الحياء، والخَفَر!

في ذات يوم من سنة 2013، وقف ثلاثة وزراء سوريين أمام مجلس الشعب، ووجهوا دعوة إلى أقطاب المعارضة السياسية الخارجية بأن يسلموا أنفسهم لنظام أبي حافظ الأسد، مع تقديم ضمانات لهم بعدم الملاحقة.


كتبتُ، أنا محسوب الطيبين على صفحتي: من أنتم حتى تقدموا ضمانات للمعارضة يا أوباش.
وبمجرد ما نشرتُ البوست بدأ الأصدقاء المعارضون يؤيدونني ويشتمون الوزراء التافهين الذين لم يقدموا اقتراحات للنظام بوقف حربه على الشعب، وإنما يريدون من المعارضين أن يستسلموا.
ولكن أحد متابعي صفحتي من الموالين للأسد زعل مني لاستخدامي كلمة "أوباش" وكتب تعليقاً متهكماً: يا سلام على اللغة الأدبية الراقية!

أثرتْ بي هذه العبارة اللاذعة، وتمنيت لو يرجع التاريخ إلى الوراء لأعيد النظر بلغتي التي استخدمتُها في هذا البوست كأن أقول، مثلاً:
إلى الرفاق السادة الوزراء الأكارم، أشكركم على اهتمامكم بشؤون البلاد السورية، وحرصكم على حقن دماء الشعب السوري، ونحن نثمن عالياً الضمانات التي قدمتموها للمعارضين بعدم الملاحقة الأمنية والقضائية فيما لو رجعوا إلى البلاد.. ولكننا نخشى أن يقع شيء من سوء التفاهم بينكم وبين القيادات العليا للبلاد، فيرفضوا تصريحاتكم من أساسها، ويعترضوا على الضمانات التي تكرمتم بتقديمها للمعارضين المقيمين في الخارج باعتبار أن هؤلاء، كما تعلمون، متآمرون، مرتبطون بالمشاريع الاستعمارية المتصهينة، يريدون إسقاط نظام الأسد لسبب وحيد هو أنه ممانع لإسرائيل. 
ولنفرض جدلاً أن القيادة العليا الحكيمة قد وافقت على اقتراحاتكم وضماناتكم، أفلا تخشون من أن يرفضها السادةُ أعضاء مجلس الشعب، وبالأخص الأستاذ خالد العبود، فهذا عضو عنيد و(رأسه يابس) لا يوافق على شيء إلا بشق النفس، وخرط القتاد!
وحينما شرع بشار الأسد بقصف الحاضنة الشعبية للثورة (المدن، والقرى، والأماكن المأهولة) بالمدافع وراجمات الصواريخ والبراميل المتفجرة لم يكن يليق بي أن أصفه بعبارات نابية، بل كان يجب أن أخاطبه بلغة أدبية راقية، فأقول له: لا يا أبو حافظ، الله يخليك، ويطول عمرك، خفف الضرب على هذه المدن، وعوضاً عن أن تقتل، في كل يوم، مئة وخمسين من الرجال والنساء والأطفال، يكفيك خمسون منهم، حرام عليك سيادة الرئيس، وحياتك كترة القتل مو منيحة.

وأخيراً هناك لغة وسط يمكن أن نستخدمها في مثل هذه الظروف، كأن تقول للأسد: إلى الأخ والرفيق السيد الدكتور بشار الأسد أبو حافظ، تضرب في شكلك.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...