عن قوة "حماس" في جامعة بيرزيت

11 مايو 2017
+ الخط -


فازت الكتلة الإسلامية، الذراع الطلابية لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أمس، في انتخابات مجلس الطلبة بجامعة بيرزيت، وهو الفوز الثالث على التوالي، مع كل المضايقات التي يتعرض لها نشطاؤها، ورغم كل محاولات الأجهزة الأمنية للتدخل من خلال الاعتقالات والتمويل والضغوط، إلخ. وهذا على أية حال نموذج مثير للإعجاب وللأسئلة.

لا تتعلق أهمية انتخابات جامعة بيرزيت بكونها مؤشرا للرأي العام الفلسطيني، ولا أي اعتبار من هذا القبيل. والادعاء بذلك ضعيف. ومع هذا فإن مشهدا واحدا من ساحة الجامعة أمس، كفيل بإقناع من شككوا بأهمية انتخابات جامعة بيرزيت وخصوصيتها. حارس من حراس الجامعة (موظف عادي) يلاحق رجلاً من الأجهزة الأمنية، من جهاز المخابرات أو الوقائي على ما يبدو، ورجل الأمن هارب منه وهو يحاول التسلل إلى الحرم الجامعي. باختصار، فإن قوة الانتخابات وتميزها، أن جامعة بيرزيت، لم تقبل بتدخل الأجهزة الأمنية، ولم تخضع لابتزازاتهم.

على العموم، فإن هناك ميزة أخرى للانتخابات، تتمثل في كون كل تغير في النتائج له دلالته المتعلقة بسلوك الحركات الطلابية، لا بخلفيات المصوتين فقط. وبالتالي، يصير الجهد المبذول من الأحزاب ذا قيمة واضحة، على عكس الجامعات الأخرى التي تكون فيها النتائج شبه جاهزة، وتكون خيارات الطلاب محصورة في خلفياتهم. وتصير، في بيرزيت، جهود الطلاب الحقيقية سياسيا ونقابيا، أهم وأكثر تأثيرا من كل جهود الأجهزة الأمنية، ومن مضايقاتهم وعشرات الآلاف التي يمولون فيها طلاب حزبهم.


لا يمكن الادعاء بأن الأفضل ومن يعمل ومن يقدم برنامجا مقبولا أكثر يفز، فهذا لا يحدث في بيرزيت ولا في أكبر الديمقراطيات في العالم، وهو افتراض يبالغ في اعتبار أن خيارات الناس عقلانية. لكن على الأقل، فإن نأي بيرزيت بنفسها عن أن تكون حديقة لرجال السلطة، جعل هذا ممكنا أكثر، وجعل الخيارات أكثر تعقلا.

لكن ولأن من يعمل لا يفوز بالضرورة، يجب العودة إلى السؤال الأول: لماذا تفوز "حماس"؟

شباب "فتح" هم القاعدة الطبيعية لأي حزب حاكم، تجمعهم مصالح وخلفيات عائلية ومناطقية، إلخ، وربما طموح مشترك بوظيفة أو بامتياز. لكن ما يجمع شباب "حماس"، وهو ما يجمع ناشطي أي معارضة على أية حال، ليس كذلك، ليس لأنهم أفضل أخلاقيا، لكن لأن الامتيازات التي يحصل عليها المعارضون لا تذكر في العادة. ولأن الادعاء بأن ما يجمعهم هو رؤية مشتركة وأفكار متقاطعة، مقبول أكثر.

استطاعت "حماس" في جامعة بيرزيت، مستثمرة في الفضاء المفتوح الوحيد لها في الضفة الغربية، أن تخطف نقطة قوة "فتح"، وأن تتجاوز مآزقها القديمة ومأزق اليسار. ففي حين، اقتصر مؤيدو "فتح" على المستفيدين من وجودها، وهم حتى لو كانت حزبا حاكما، مهددون دائما بأن يكونوا أقل وأن يكونوا مجموعة عائلات ومناطق فقط. وفي حين اقتصر مؤيدو اليسار على طالبات وطلاب أصحاب امتيازات طبقية واجتماعية محددة (يا للنكتة!)، ولم يستطيعوا إنتاج خطاب عام ولا شعبي. استطاعت "حماس" توجيه الخطاب لفئات جديدة دائما، وهو الذي يظهر سنة بعد سنة.

عشرات الصبايا غير المحجبات، يزيد عددهن سنة بعد أخرى، يرتدين معاطف "حماس" ويهتفن بشعاراتهم، وبعضهن يحصل على مراكز داخل الحزب. وللمفارقة فإن شباب "فتح" في كل سنة، ينتقدون "ابتعاد حماس عن الدين" من خلال ضمهم لهؤلاء الطالبات. لن تكون هناك مبالغة، لو قلنا إن الكتلة الإسلامية قدمت خطابا علمانيا أكثر من "فتح" نفسها. وهو خطاب يتطور باستمرار، وينفصل عن النزعة في إرضاء الناس كما تفعل "فتح".

أدركت "حماس"، أن ثمة فئات جديدة يجب مخاطبتها، خاصة الفئات المحافظة (محافَظةً غير تقليدية)، ونجحت في بلورة خطاب عمومي أكثر يخاطب الجميع.

لم تعد "فتح" أم الجماهير حسب شعارها، وهي لم تكن كذلك على أية حال. وفي أحسن الأحوال، فقد كانت بنت الجماهير، بنت طباعهم وتوجهاتهم. "فتح" التي كانت يسارية عندما كان معظمهم يميلون إلى اليسار، ومتدينة مع المتدينين، إلخ. لذلك لا يستطيع أي منا تحديد رؤية "فتح" ولا منهجها. هل يمثلها الشباب الذين ينتقدون استخدام  "حماس" للدين؟ أم الذين ينتقدون انحراف "حماس" عنه في قبول ضم صبايا غير محجبات؟ هل هي الشباب الذين يقدمون عرضا عسكريا في الدعاية الانتخابية؟ أم الذين يرفعون صورة للمفاوضات؟ إنها كل ذلك باختصار، لأنها تريد إرضاء الجميع.

لكن ما يحسب لـ"حماس"، أنها استطاعت فهم توجهات الناس، ومخاطبتها، وتطوير رؤية تتسق معها، من دون أن تخضع لها. فهمت كيف يمكن إرضاء الناس بدون رؤية تتناقض في سبيل إرضائهم.