في وداع "العربي الجديد".. عن النمو مع الربيع
في شهور الصحيفة الأولى، تلقيت دعوة من صديق للكتابة فيها، وعندما نشرت أول مقالة، طبعتها ووزعتها على الأصدقاء، علقتها في غرفتي، وركضت بها إلى أبي كما فعلت مع أول قصيدة كتبتها في حياتي.
في السنة الثالثة، كنت قد بدأت بالعمل في الصحيفة فعلاً. وبدأ إدراكي للعالم يأخذ صيغة مختلفة. يمكنني أن أقول بسهولة واقتناع، إنني صرت عربياً أكثر. صارت رؤيتي إلى السياسة والاجتماع وربما إلى العالم، من وجهة نظر عربية أوضح. وفهمت لأول مرة فكرة الحلم العربي الواحد، والقضية العربية الواحدة، من عين غير عين الديكاتاتوريات القومية وأحزابها، التي كدنا نشاكل العروبة بسببها. شاءت مفارقات الحياة، أن يتحقق الشعور بالحلم القومي المشترك، ولو لفترة وجيزة، من خلال الصراع مع هذه الأحزاب القومية نفسها.
أغادر الصحيفة الآن، مع خفوت الربيع ومع خفوت الحلم به، بعد أن تعرض كما تعرضت هي، إلى أحقاد مناهضي التغيير في كل مكان، لكن مع يقين بأن ما نما مع الربيع لا ينقضي بانقضائه. نعرف، كما تعرف هذا الأنظمة التي انتصرت في نهاية المطاف، أن أشياء كثيرة تغيرت فينا.
أغادر الصحيفة بشعارات أقل من تلك التي كنت أحمل عندما دخلت إليها. هذا صحيح، وهو حال جيل كامل. لكن "العربي الجديد" كانت جامعاً وناظما للحلم ولانكساره معاً، ولعل رعاية الخيبة قد تحيلها نضجاً.
للعربي الجديد، مثل أي مشروع أو فكرة، ما لها وعليها ما عليها. لها أنها وقفت مع التغيير، فلم تشاركنا التطلع إليه فقط، بل كانت ركيزة ورافعة لهذا التطلع، وعليها أنها دفعت مضطرة أحيانا، وربما من دون اضطرار، في أوقات أخرى، ثمن الوقوف مع الأمل، وتنازل الحريص على الانحياز له.
دخلت إلى "العربي الجديد"، ولم تكن عندي تجربة ولا رغبة بالعمل في الصحافة، لكن هذه الصحيفة كانت غاوية غواية الفكرة التي حملتها، إلى درجة لا يستطيع المرء فيها أن يفوت فرصة للحاق.
والآن، آن لهذا الإغواء أن ينهزم أمام تفاصيل الحياة الشخصية، وآن لهذه الفترة المركبة في حياتي أن تنقضي، كما انقضت فترة زامنتها "العربي الجديد" من حياة جيلي، لكن ما نما مع الربيع، لا بد أن يزهر يوما.