يوم فصلونا أنا ورفعت الأسد من اتحاد الكتاب

29 يونيو 2020
+ الخط -
أربع أسئلة سيطرت على تفكير الحاضرين في سهرة الإمتاع والمؤانسة المنعقدة في منزل "أبو ماهر"، هي:

أولاً- لماذا يرغب ضابط مجرم يحكم سورية بالحديد والنار مثل رفعت الأسد بأن يكون عضواً في اتحاد الكتاب العرب؟

ثانياً- ما الذي ينقص هذا الملياردير الخرتيت رفعت الأسد من أمجاد يريد تحقيقها في عالم الأدب الذي تقول زوجاتنا إنه عالم الفقر واللهاث وراء لقمة العيش؟

ثالثاً- لماذا يقبل رئيس اتحاد الكتاب العرب، وأعضاء المكتب التنفيذي، وأعضاء مجلس الاتحاد هذا الضابط المجرم عضواً في الاتحاد؟

رابعاً- لماذا استمر الوضع الشاذ المتمثل بكون بقاء رفعت الأسد عضواً في اتحاد الكتاب حتى بعد خروجه من سورية وتجريده من مناصبه كلها؟

في محاولته الإجابة عن هذه الأسئلة قال كمال:
- برأيي المتواضعْ إنُّه حافظ الأسد، لما عمل انقلابُه المشؤوم سنة 1970، كان حاطط في ذهنه القضاء على استقلالية الدولة السورية عن النظام الحاكم، ومنشان يستمر حكمه ويقوى لازم يخلي كل مؤسسات الدولة تخضع لسيطرة النظام: اتحاد الكتاب، ومجلس الشعب، والحكومة، ونقابة المحامين، ووزارة الثقافة، ودار الأوبرا، والإذاعة والتلفزيون، والصحف، واتحادات العمال والفلاحين والحرفيين..


أم ماهر: يا ريت ما تروح فينا لبعيد وتشعّب الأمثلة يا أستاذ كمال. خلينا بسيرة اتحاد الكتاب إذا بتريد.

كمال: ماشي، لكن أنا بدي إسألك سؤال، يا ست أم ماهر: لو ترك حافظ الأسد اتحاد الكتاب بحاله، ومنع أقاربه وأعضاء القيادة القطرية وضباط المخابرات من التدخل بشؤونه، وراحوا الكتاب انتخبوا حنا مينة وسعيد حورانية وزكريا تامر وحسيب كيالي وجورج سالم ونبيل سليمان وشوقي بغدادي وفايز خضور وقالوا لهم (يا عمي هالاتحاد اتحادكم، وإنتوا أدرى بإدارته ورسم سياساته) أيش ممكن يصير؟

أم ماهر: أنا ما بعرف أيش ممكن بيصير, إنته قلي.

كمال: برأيي إنه هدول الناس إذا استلموا اتحاد الكتاب بدهم يحكوا بالديمقراطية، وبالتنوير، وبالثقافة الإنسانية التحررية، ويمكن يتدخلوا بالشأن السياسي العام، ويطالبوا بحرية الأحزاب، والتداول السلمي للسلطة، وإلغاء قانون الطوارئ ومحاكم أمن الدولة.. وطبعاً هادا الشي كويس بالنسبة للشعب السوري والدولة السورية، بينما الأحسن للنظام القمعي الوراثي إنه يكون رفعت الأسد عضو في الاتحاد، ويبقى علي عقلة والفريق اللي معه على رأس عملهم، وينفتح باب التنسيب على مصراعيه، ويصير من حق كل ضابط متقاعد كتب بزماناته قصيدة مديح لحافظ الأسد وألقاها أمام الجنود في ذكرى حرب تشرين، إنه ينتسب للاتحاد، ويستفيد من المزايا المعطاة للأدباء الدروايش الطفرانين، وبالمقابل بيصير انتساب الأدباء الحقيقيين للاتحاد عسير، وغير مرغوب فيه.. وهيك بيتحول الاتحاد من مؤسسة وطنية إلى منظمة أمنية، وبتصير كتابة التقارير بحق الكتاب لـ (أبو موزة).. وبالنسبة لرئيس الاتحاد اللي كانت كل أجهزة النظام راضية عنه، ما كان إله مصلحة باتخاذ أي إجراء ممكن ينعكس عليه سلباً، ويحول دون استمرار حكمه للاتحاد إلى الأبد.. ولنفرض إنه علي عقلة عرسان فكر يفصل رفعت الأسد من الاتحاد، حتى بعد خروجه من سورية سنة 1983، أنا بعتقد إنه بيخاف ما يطلع له واحد من عائلة الأسد زعيمة العصابة الحاكمة وتاخده الحمية ويضرب إيده ع الطاولة ويقول:

- هزلت. بآخر الزمان بيجي واحد من بيت عرسان وبيفصل واحد من بيت الأسد! لا قرت أعين الجبناء.

منشان هيك بقي علي عقلة عرسان رئيس اتحاد الكتاب لغاية 2005، ولا حدا فكر إنه يزيحوا عن صدور الكتاب السوريين. وبالمناسبة هني طلبوا من علي عقلة يطلع تقاعد بدون شوشرة، بعدما نجح في الانتخابات نظامي.

أبو المراديس: على ذكر سنة 2005، هاي السنة شهدت أحداث قوية إلها علاقة بنظام حافظ الأسد ووريثه بشار اللي بيهز كتفه وقت بيحكي وبيضحك بلا سبب. أولها اشتراك نظام الأسد مع حزب الله في اغتيال رفيق الحريري، واحمرار عين الأميركان من بشار وإعطاؤه إيعاز بالخروج الفوري من لبنان.. وبنفس السنة انشق عبد الحليم خدام اللي أكد لنا بانشقاقه صحة المعادلة اللي حكى عنها الأستاذ كمال.

أم زاهر: أي معادلة؟

أبو المراديس: لما حكى عن تغلغل عناصر السلطات القمعية في عمق مؤسسات الدولة، والدليل إنه يوم انشق عبد الحليم وبلش مجلس الشعب اللي بيسميه السوريين (مجلس التصفيق والدبكة) يردح له، كان نقيب المحامين عضو في المجلس، وأعلن فصل عبد الحليم خدام من عضوية النقابة.. ويمكن ما بقي سوري واحد إلا واستغرب من كون هادا التاني خدام عضو في نقابة المحامين، وهوي ما اشتغل بالمحاماة من 35 سنة..

أبو زاهر: أنا في عندي نقطة نظام. ممكن نعرف ليش انفصل رفعت من الاتحاد وانفصل عبد الحليم من النقابة؟ قصدي السبب المباشر.

أبو المراديس: بظن آن الأوان لنحكي قصة فصل رفعت من الاتحاد واللي أنا اطلعت عليها بالصدفة. مع بدايات الثورة السورية، 2011، دعا كتاب سوريين لتشكيل رابطة الكتاب السوريين في المنفى، على أمل تكون هالرابطة بديل ديمقراطي لاتحاد الكتاب العرب اللي حوله نظام حافظ الأسد ووريثه اللي بيضحك بدون مناسبة لمؤسسة أمنية. وكنت أنا موجود في سورية. اتصل فيني الأستاذ الدكتور حسين جمعة على هاتف البيت، وقال لي، من الآخر، إنه ما بيجوز الجمع بين عضوية اتحاد الكتاب العرب وعضوية الرابطة، وإنه إنته لازم تختار.

قلت له بشكل تلقائي: أنا بدي الرابطة.

قال: بيؤسفني إني إفصلك.

قلت له: أنت حر.

بعد مضي أسبوع تقريباً علمت من فرع اتحاد إدلب أنه قرار فصلي صار عندهم. قلت له: أريد نسخة. قالوا: ما منحسن نعطيك نسخة، أما إذا بدك تطلع ع القرار هالشي ممكن. ووقتها شفت القرار، وصيغته هي التالية:

مادة 1- يفصل الكاتب خطيب بدلة بن عبد العزيز (جمعية القصة والرواية) من إتحاد الكتاب العرب لانتسابه إلى رابطة الكتاب السوريين.

مادة 2- يفصل الكاتب رفعت الأسد من إتحاد الكتاب العرب (جمعية البحوث والدراسات) لتقاعسه عن دفع الاشتراكات.

وبالنسبة لعبد الحليم خدام فصلوه من نقابة المحامين من باب النكاية لأن ولاؤه لبشار الأسد أصبح مشكوك فيه. مع إنه هالمسكين بقي على حبه لحافظ الأسد حتى آخر لحظة في حياته!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...