يجب دعس المعارضين تحت الأحذية!

10 فبراير 2019
+ الخط -
اخترق الأستاذ كمال زحمة الأحاديث في جلسة "الإمتاع والمؤانسة" التي عُقدت في مدينة "الريحانية" التركية، بعبارة لا يدري أحد كيف رَتَّبَها وحَضَّرَها.. قال: أنا طول عمري أقف ضد حقوق الإنسان.

حصل لغط بعد إلقاء هذه الجملة في الوسط، ويبدو أن معظمنا قد ساءه هذا الكلام، وأردنا أن نردّ عليه في وقت واحد. ولكن "أبو خالد" تمكن من إسكاتنا وقال:
- طولوا بالكم شباب. خلونا أنا أحكي.

وقال للأستاذ كمال: هل تسمح لي أن أكلمك مباشرة بدون ألقاب، وأقول لك عبارة قليلة الأدب؟
ابتسم كمال وقال له: كل شي مقبول منك أبو خالد.

قال أبو خالد: أنت ثقبت راسنا بحقوق الإنسان والحيوان، وطول النهار فاتح صفحتك على الفيسبوك للدفاع عن حقوق الإنسان السوري والعربي وفي كل أنحاء العالم، والآن تعلن أنك ضد حقوق الإنسان؟

قال كمال: انطبق عليك المثل الشامي الذي يقول "فلان يخطف الكباية من رأس الماعون". فلو أنك صبرت عليّ شوية لأوضحت لك السبب بل ومجموعة الأسباب التي أوصلتني إلى هذا الدرك الأسفل.


قال العم أبو محمد: قصص الأستاذ كمال حلوة كتير، وطريقته في سردها أحلى، فأرجوكم لا تقاطعوه. تفضل أستاذ كمال، عم نسمعك.

قال كمال: كنا أنا وأبو مرداس ذات مرة في دمشق. أظن في سنة 1992، وعرض علينا بعض الأصدقاء أن نذهب لزيارة الكاتب الفلسطيني اليساري سلامة كيلة في بيته بالمخيم. وكنا قد سمعنا بـ "سلامة" من قبل مراراً، لذلك تحمسنا للزيارة. كان بيته عبارة عن مكتبة كبيرة، حيثما تلفتَّ تجد أمامك رفوف الكتب واللوحات الفنية.. وبالفعل كانت سهرة جميلة مع رجل يتقن الإصغاء والمحاورة مثلما يتقن الحديث وإطلاق التعليقات الذكية. المهم أننا غادرناه في حدود الساعة الثانية ليلاً. وفي اليوم التالي عدنا نحن إلى إدلب، ومضت أيام، وإذا بنا نسمع باعتقاله من بيته.

قلت: كلام كمال صحيح، ولكن فاته أن يقول إنهم اعتقلوه بعدما خرجنا من بيته بنصف ساعة فقط. وهذا الأمر له تفسيران: الأول أنهم جاؤوا لاعتقاله بالمصادفة بعد خروجنا. أو أنهم كانوا يعرفون بوجود ضيوف لديه، وانتظرونا حتى خرجنا لينفذوا المهمة.

قال أبو الجود: لو كانوا فايتين وأنتم عنده كانوا قَشُّوكم معه.
اعترض أبو جهاد قائلاً: بتهمة أشو بدهم يعتقلوهم؟
قال أبو زاهر: تهمة؟ هههههه. ومين قال الاعتقال في سورية يحتاج لتهمة؟ كثير من الناس اعتقلوهم في البداية ثم لفقوا لهم تهمة.
قال أبو محمد: اتركوا الرجل يكفي القصة تبعه. يعني ضروري كل هذا التشويق؟

قال كمال: أنا في السابق كنت أظن أن منظمات حقوق الإنسان محمية من دول العالم والأمم المتحدة، وأن النظام يمكن له أن يعتقل معارضيه المنظمين في أحزاب سياسية، وأما مَنْ يمدّ يده لاعتقال ناشط في منظمة حقوق الإنسان فيمكن أن يقطعوها.. ولكن من يوم أن اعتقلوا سلامة، وبقي عندهم 8 سنوات، صرتُ على يقين أن النظام السوري يستطيع أن يعتقل كل أنواع البشر، دون تمييز. ولأن النظام ينتهك حقوق الإنسان بشكل يومي، فقد أصبحت منظمات حقوق الإنسان تتصدر قائمة أعدائه.. المهم، ما حصل معي، في إحدى السنوات، بعد سنة 2005 على ما أذكر، أصبحنا نسمع عن اعتقالات واسعة ينفذها نظام الأسد لأشخاص مختلفي التوجهات السياسية بتهمة انتمائهم إلى منظمات حقوق الإنسان..

وذات مرة كنت أجلس في مقهى حمشدو بإدلب. رآني، عبر زجاج المقهى، واحد من معارفي سَرَتْ عليه إشاعة تفيد بأنه يتعامل مع فرع أمن الدولة، فدخل، وعزم نفسه على فنجان قهوة على حسابي - بحسب الموانة - وبعد سلام وكلام، وقال وقيل وقلنا، ألمح لي بأن لديه معلومة تقول إنني أعمل في إحدى منظمات حقوق الإنسان، فما كان مني إلا أن أجبته مستنكراً: أنا؟ لا والله يا صديقي، أنا أصلاً ضد حقوق الإنسان، أنا من أنصار دَعْس الإنسان وحقوقه تحت الصرامي..

ورحت أحكي له كيف أنني طوال النهار والليل أضطهد زوجتي وأولادي، وأقول لهم إن مشكلتنا مع الدولة هي أنها رحيمة بحق الناس الذين تعتقلهم. فهي تطعمهم وتسقيهم وفي نهاية المطاف تطلق سراحهم، فلو أنها قتلتهم أولاً بأول لكانت مشاكلنا السياسية كلها انتهت.. وهكذا دواليك.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...