هل من علاقة بين الثورات والتدهور البيئي؟
تعتبر ظاهرة الجفاف من أسوأ سيناريوهات الاحتباس الحراري التي بدأ العالم العربي بمواجهتها جرّاء التغيّر المناخي. وتُعرّف ظاهرة الجفاف بأنها نقصٌ حاد في الموارد المائية بمنطقة معينة، ويمكن أيضاً اعتبار المنطقة جافة إذا كانت كمية التساقطات أقلّ من ضعف معدّل الحرارة.
وللجفاف أسباب عديدة، بعضها طبيعي والبعض الآخر يعود إلى عوامل بشرية، حيث يعتبر ارتفاع البرودة في النصف الشماليّ من الكرة الأرضيّة مثلا، من المسبّبات الطبيعية في ظهور الجفاف في الأقاليم الساحليّة. وتساهم طبيعة التربة التي قد تساعد على تسرب المياه منها، وعدم قدرتها على الاحتفاظ بها، إلى زيادة كميّة المياه المتبخرة، وبالتالي الجفاف.
أما بالنسبة للعوامل البشرية، والتي تعتبر المسبّب الأبرز والأخطر لظاهرة الجفاف، لا بد من ذكر: ظاهرة إحراق الأراضي وقطع الأشجار نتيجة الزحف العمراني الكثيف، ما يجعل الأرض غير صالحة للاستخدام الزراعي، ولا حتى السكني، خاصةً إذا تعرضت تلك الأرضي للاحتراق.
كما تتسبّب ظاهرة قطع الغابات وإزالة النباتات بتقليل الرطوبة في الجو، ما يزيد من امتصاص الهواء لبخار الماء، ويؤدي ذلك في النهاية إلى قلّة هطول الأمطار.
بالإضافة لجميع تلك الأسباب، هناك أيضاً سبب إضافي، يضاف لجميع ما ذكر في ظاهرة الاحتباس الحراري وظاهرة الجفاف، والتي تواجهها الكرة الأرضية، وبشكل كبير في الآونة الأخيرة، ألا وهي مشكلة التلوث. يساهم التلوث بزيادة نسبة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي كغاز ثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروجين، والميثان، والغازات المفلورة المعروفة باسم مركبات كلوروفلوروكربون. تلك الغازات تساهم بشكل غير مباشر في حدوث ظاهرة الجفاف.
أما عن نتائج ظاهرة الجفاف، فلا بد من ذكر:
- (1): تدني جودة المياه، وذلك بسبب انخفاض منسوبها، ما يساعد على ارتفاع تركيز المواد السامّة والملوّثة، وبالتالي قطع موارد رزق العاملين في تلك القطاعات، لا سيما الصيادين.
- (2): انخفاض معدل نموّ المحاصيل الزراعيّة، وبالتالي انخفاض الإنتاج، ما يساهم في خسارة غالبية المزارعين مواسمهم الزراعية.
- (3): زيادة الأمراض المرتبطة بتلوّث وندرة المياه، والناتجة عن الجفاف، ما يسبّب مرض وموت غالبية البشر غير القادرين على تغطية تكاليف الاستشفاء.
- (4): تدنّي إنتاج الكهرباء، بسبب عدم توّفر المادة المبرّدة بكمياتٍ مناسبةٍ في محطّات توليد الطاقة، الأمر الذي يحرم حتماً غالبية السكان من حقوقهم الرئيسية بالكهرباء.
يساهم الجفاف بتهميش الطبقة الكادحة في المجتمعات، وتحديداً المجتمعات التي لا تمتلك خطة تنمية بيئية أو لا تأخذ موضوع حماية البيئة بعين الاعتبار
انطلاقاً من جميع تلك النتائج، بإمكاننا الاستنتاج أنّ الجفاف يساهم بشكل أو بآخر بتهميش الطبقة الكادحة في المجتمعات، وتحديداً المجتمعات التي لا تمتلك خطة تنمية بيئية أو لا تأخذ موضوع حماية البيئة بعين الاعتبار ضمن خططها التنموية.
ومع تهميش الفقراء والاستهانة بحقوقهم لا بد لهم أن يثوروا ليستردوها أو على الأقل ليستردوا بعضاً منها. ويمكن الجزم طبعاً، من خلال ما يحدث في الآونة الأخيرة، أنّ الدول التي لا تضع البيئة ضمن أولويات خططها، هي أكثر الدول عرضة للثورات والاحتجاجات، ما يقرع ناقوس الخطر لجميع الدول بضرورة ترتيب أولوياتها والتركيز أكثر في خططها على المواضيع البيئية.
بدأت بعض الدول العربية بخطوات جبارة في ما يخص مواضيع البيئة، أو بالأحرى حماية البيئة في محاولة لإيجاد حلول تساهم في الحدّ من أحد أخطر المشاكل البيئية أو من معالجتها في حال وقوعها، مثل التلوث البيئي والجفاف. وفي ما يخص الأخيرة، بدأت العديد من الدول العربية ببناء قنواتٍ صناعيّةٍ لإعادة توجيه المياه نحو المحاصيل الزراعيّة في المناطق التي تُعاني من الجفاف.
ومن جهة أخرى، باشرت العديد من تلك الدول بتحلية المياه المالحة في البِحار والمحيطات، وذلك لاستخدامها في الريّ والشرب، وغيرها من الأغراض الاستهلاكيّة، وبمعالجة المياه الملوّثة بالاعتماد بشكل رئيسي على الطرق الكيميائية المتطوّرة. وباشرت دول الخليج مثلاً بتلقيح السحب، أحد الأساليب الصناعيّة المستخدمة للمساعدة على سقوط الأمطار.
البيئة ما هي إلا جنة للمرء وأطفاله، ولهذا لا بد للمرء من تجنّب لهب النار والاحتجاجات بالمحافظة على البيئة، ولا بد للحكومات أن تدرج المواضيع البيئية ضمن قائمة الأولويات في الخطط، وإلا أهلا بنار الاحتجاجات ووداعاً لبيئتنا، جنتنا.