ملف: إيقاف العنف ضد المرأة مسألة تخص الجميع (23)

17 مارس 2023
+ الخط -

تشهد النساء في عالمنا العربي حرباً شعواء تطاولهن من كلّ حدب وصوب، بدءاً من التنمر، والانتهاكات الجسدية والجنسية، وليس انتهاء بالقتل. فالمرأة الأم، الصديقة، والزوجة، هي اليوم تحت مرمى رصاصات عقول باطشة، عار على الإنسانية، الحضارة، العقل والفهم السليم.

شهد العالم العربي في الآونة الأخيرة سلسلة جرائم ممنهجة ضد النساء، حتى أننا للأسف، ولكثرتها، بدأنا نتصفحها ونسمع عنها بشكل دوري، كما نسمع نشرات الأخبار. فأصبحت المرأة العربية التي عُرفت بجبروتها ونضالها في سبيل أسرتها، محط شفقة، إذ تمرّ عليها المنظمات العالمية والعالم أجمع لتزورها في كلّ مناسبة، وتندّد بالأعمال الباطشة ضدها. أصبحنا نحن النساء، شمعات أمل صحراء بلادنا العقيمة، مجرد "تريند" يساندنا كلّ من أراد الركوب مع الموجة، وكأننا مادة دسمة تُحيي أفكار أقلام عدّة، وأشخاص عدّة، ينصفوننا يوماً واحداً، أو على أبعد تقدير، في كلّ مناسبة لمناهضة العنف ضدنا، ثم ينسوننا عاماً بأكمله.

والمحزن في الموضوع ليس حصراً التصرّف المشين ضد النساء، بل محاولة إيجاد أعذار وأسباب تُخفّف من وطأة الجرم، سواء من المرتكب ذاته أو من مجتمعه. فالمرأة اليوم، وبعدما وصلت لأعلى المراكز والدرجات العلمية، تشكّل بتفوقها العقلي ومثابرتها، خطراً أو حتى إلغاءً كلياً لذكور عدّة، رضعوا من حليب أمهاتهم، وسمعوا من حكايات أسلافهم، حكايات وروايات تحصر دور المرأة داخل جدران منزلها. فمن البديهي اعتبار كلّ متفوقة "شاذة" عن القواعد المعترف بها، وبالتالي عقابها يتمثل بإلغائها، وإن قاومت، قتلها. ونحن هنا نتكلم عن المجتمعات المتقوقعة على ذاتها، المجتمعات التي تعلو بها أصوات الجهل ويخفت بها صوت العلم، فتحكمها الأفكار البالية المتوارثة، والتي يرفض أصحابها التعديل عليها، خوفاً من كلام القبيلة.

المرأة الأم، الصديقة، والزوجة، هي اليوم تحت مرمى رصاصات عقول باطشة، عار على الإنسانية، الحضارة، العقل والفهم السليم

بالإضافة لذلك، لا بد من الإشارة أيضاً إلى أنّ التحولات الاجتماعية مثل التغيّرات الاقتصادية والتكنولوجية، ساعدت في تغيير العلاقات الاجتماعية والأدوار الجندرية، وهذا التحوّل أدى بدوره إلى ازدياد الضغوط على أشباه الرجال الذين شعروا وسيشعرون بعدم الأمان والتهديد من النساء الرائدات والقويات، الأمر الذي دفعهم إلى ممارسة العنف، وأحياناً القتل.

لا بد أيضاً من الإشارة إلى أنّ بعض الذكور اتخذوا من الدين ذريعة لتبرير أفعالهم المشينة، لا سيما هؤلاء الذين يميلون إلى الأفكار المتطرفة، التي تعتبر أنّ كلّ فكرة حرّة نابعة من امرأة، ما هي إلا خروج عن العقائد، وبالتالي العنف والقتل عقاباً محتوماً لكل "مُشركة"... متناسين أنّ ديننا دين يسر، وأنّ إيمان المرء الحقيقي، رجلاً كان أو امرأة، بقلبه لا بظاهره.

أيضاً وأيضاً، تطول القائمة، فهناك أيضا التحكّم الاجتماعي المسيطر في مجتمعنا العربي، والذي يشكل سردية أخرى تحكم عقول الرجال، بأنهم يتمتعون بالسيطرة والقوة على المرأة، وأنّ النساء يجب أن يكنّ خاضعات للرجال ويتبعن القوانين والتقاليد الاجتماعية الصارمة.

وكون الإعلام وُجد أصلاً لإيصال أصوات المستضعفين والمستضعفات، إلى العالم أجمع، فيكمن دوره باعتباره مساحة واسعة تطرح فيها قضايا المرأة، ترفع الأبواق أصواتها، فتعلو ويصل صداها إلى المسؤولين، علهم يجدون حلولاً صارمة وسريعة لإيقاف لتلك الجرائم. ومن المهم الإشارة إلى أنّ تغطية وسائل الإعلام لقضايا العنف ضد النساء قد تؤثر على الوعي العام حيال هذه القضية، وقد تساعد في إبراز أهميتها والعمل على إيجاد حلول لها.

نُخلق نحن النساء كقضايا، فمنذ نعومة أظافرنا نواجه تحديات، تبدأ يوم دخولنا إلى الروضة، وتنتهي يوم نوضع في اللحد...نموت نحن ولا تموت قضايانا

في العادة، تختلف طرق تعامل وسائل الإعلام مع قضايا النساء بشكل عام، من حيث المنهج والرؤية المتّبعة والأسلوب المتبع في الخطاب الإعلامي... ولكن في قضية حساسة كتلك، يجب معالجتها بطريقة حساسة ومسؤولة، وعدم تقديمها بشكل مثير أو استفزازي، بل بأسلوب يعكس حقيقة ما يحدث ويعزّز الوعي العام بأهمية التصدّي لهذه المشكلة من جهة. ومن جهة أخرى، لا بد من أن تتخذ تلك الوسائط الإعلامية تدابير وسياسات داخل الوسائل الإعلامية نفسها للتصدّي للعنف الجندري وتشجيع المساواة. ولعل من أبرز تلك التدابير، تدريب المراسلين والصحافيين على الاطلاع على طبيعة العنف ضد النساء، والتعرّف إلى أساليب الكتابة والتغطية التي تلبي متطلبات تغطية قضايا العنف ضد النساء بطريقة حساسة وفعالة في هذه القضية.

وأخيرا، إنّ مسألة تحرير المرأة والنضال النسوي وإيقاف العنف ضد النساء هي مسألة تخص الجميع، بما في ذلك الرجال والنساء، الذين يجب أن يتحدوا ويعملوا معًا لتحقيق العدالة الجندرية والتخلص من العنف ضد النساء.

ومن أجل ذلك، يجب على الجنسين العمل معًا من أجل تغيير السردية السائدة والقيم الجندرية الخاطئة التي تحدّ من تحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز ثقافة الاحترام والمساواة. كما يجب أن يتحد الجنسان للتصدّي للعنف ضد النساء والعمل على توفير الحماية والدعم لللواتي يتعرضن للعنف. وبشكل عام، فإن التحرّر الجندري وإيقاف العنف ضد النساء يتطلب تعاون الجنسين، ويتطلب العمل من أجل تغيير السردية السائدة، وتوفير الدعم والحماية للنساء المتعرّضات للعنف.

نُخلق نحن النساء كقضايا، فمنذ نعومة أظافرنا نواجه تحديات، تبدأ يوم دخولنا إلى الروضة، وتنتهي يوم نوضع في اللحد... نموت نحن ولا تموت قضايانا.

سالي جابر
سالي جابر
باحثة وكاتبة بيئية، حاصلة على دكتورة في الكيمياء والبيئة من جامعة Clermont Ferrand في فرنسا. تعرّف نفسها بأنها "كائن حي غيور على بيئته، جنته وجنة أطفاله".